الاثنين

حب؟ أى حب؟

يا شيخ قل شيئا يرد الروح.. حب
أى حب؟
الحب فى الأسواق قنطار بقرش
-نجيب سرور-
-أ-
قلق. متوتر. يقف مستعدا للدخول. يفكر فيما سيفعل. هل سيصفق الجمهور. أم أنهم سينتقدون أدائه المريع. و لا مانع من التعبير عن ذلك بصوت عالى. أو برمى أشياء صوبه. أو يغادرون بكل بساطة. يرى أن أدائه يرثى له. ممثل مريع فى المسرح و الحياة. ملابس ممزقة. و قلب ممزق أيضا. يسمع همهمات. يخشى دائما من رد فعل الآخرين. قلبه يدق بشدة. يشعر أن دقات قلبه تهز جسده النحيل. لا يقوى على المقاومة. يتمتم: مش مهم. الى يحصل يحصل. دور صغير.لكنه ليس بالهين. يدخل مرتعد الفرائص. ولكن فجأة يشعر بنوع من القوة. لا يهمه شيئا. يؤدى دوره كأقوى ممثل. اندمج. غاص فى كم المشاعر و الأحاسيس الموجودة فى الدور. يشعر أنه فى واحد من أحلامه الجميلة. همهمات اعجاب تدور بين الجمهور. يشم روائح النصر. روائح ذكية. يشعر أن الكون فى قبضته. مسيطر. هادىء. و حالم أيضا
-ب-
سرت معزوفة الصبر الجميل فى بدنه. صبر رغم اليأس والاحباط. لكن ارادتى وهج نور. ينير لى الطريق رغم خفوته فى كثير من الأحيان. طريق مفروش بحرية الإختيار. أمسك احدى اسطواناته. دسها فى المسجل. سرت السيمفونية البديعة لبتهوفن. تعبر عن أشواق الانسان للحرية. تعبر عن التحرر من الأغلال و القيود. تغلغلت الموسيقى فى صدره. أحس بخفة الجسد و سمو الروح. تشرب جسده الموسيقى كنبتة مشتاقة الى قطرة ماء. تهز الموسيقى وجدانه. ترقص مشاعره. لم يكن يحب الموسيقى الكلاسيكية. هى أحبتها كثيرا. استسلم لحبها ليرضيها. لم يجد غيرها ليحبها. كانت هى الروح والوجدان. ظل يستمع و يردد: كم للحرية من قداسة. أخذت تلح عليه أن يذهبا معا الى مقام السيدة زينب. لا يريد الذهاب الى هذة الأماكن. ظل صامتا طوال الطريق. لكنه صمت ملىء بالحياة و الحركة و الفكر. أحست أنه مختنق. قالت: مالك؟ أنا عارفة انك مش بتحب الأماكن دى. بس أصبر. ابتسم لها ابتسامة باهتة وقال: هصبر عشان خاطرك. عندما وصلا هناك. سمع أصوات أهات و أنات. نوع أخر من الموسيقى. و الرغيب أنها تمس القلب أيضا. البعض يشتكى. و الأخر يطلب. طربت نفسه لهذة الموسيقى المليئة بالأوجاع. نظر لها بوداعة وقال: بجد المكان عجبنى قوى. ابتسمت. ابتسم. شعر أن العالم كله بين كفيه. ترك نفسه لهذا الشعور الجميل. يوم كهذا لا يتكرر. انسى همومك الآن و استمتع
-ج-
يشعر اليوم بنوع من الألم. كله حزن و كآبة. مستقبله غامض. رغم التألق و الشهرة. يحب عمله. لكنه غير مجزى. أحس بقشعريرة تسرى فى جسده من مجرد التفكير فى هذا الموضوع. تسأله: هتعمل ايه بكرة؟ يرد عليها بنوع من الامبالاة: زى كل يوم. العادى بتاعى. تحدثا عن مستقبله. لازم تشوفلك شغلانة تانية عشان نتجوز بسرعة. أحس بالأعباء تثقل كاهله. أنا مش لاقى شغلانة تانية. انت عارفة أنا لازم أشتغل حاجة بحبها. تنظر اليه فى شفقة. تداعب شعره بحنان و تقول: أنا بحبك و هصبر عليك. نظر اليها وقد ازاحت هذة الكلمة الرقيقة جبال الهم و الغم. يتملل فى سريره. لا يريد التمثيل اليوم. دقات قلبه متسارعة. خوف. توجس. فإندماج و إمتزاج الكلمات و المشاهد بالروح و الوجدان. يصفق الجمهور. انتهت المهمة
-د-
قرر أن يغير قليلا فى الدور. هل سيتقبل الناس بسهولة؟ أم سيلاقى صدا و نفورا؟ كل شىء صعب فى بدايته. فكر ان التغيير طريق مليىء بالأشواك و الألام فى بدايته. طريق عثر. لكن نهاية مشرقة مهما طالت المدة. ومن منا يملك زمام الشجاعة و المبادرة؟ نعم أنا مبادر و شجاع. أنا من سيلقى أولى حبات التغيير فى الأرض القاحلة. يشم رائحة جميلة. تذكره الروائح بالماضى الجميل. يعشق رائحة المسك. يسمع أغنية "رق الحبيب" لأم كلثوم. انساب لحنها الجميل داخل صدره . كله أسى. زادت الأغنية من شجونه. حاول أن يصم آذنيه . لم يفلح. كانا يجلسان معا على قهوة فى الحسين. يشما معا رائحة الأصالة. رائحة كل ما هو قديم. و رائحة الفقر أيضا كانت تطغى على المكان. قال لها: حتى الفقر ليه ريحة خاصة. يحكى لها عن جولته فى دار السلام لأكتشاف المكان. أعداد هائلة من البشر. كتل لحم متحركة. أكل الفقر قلوبهم و أعمارهم. لم يرتقوا بعد الى مصاف البشرية التى كرمها الرب. شابوا قبل الآوان. معاناة. وصلوا جميعا الى حافة الهاوية. أطفال هنا و هناك. كانت الرائحة تفوح من المكان كجثة عطنة. تحدثوا عن أشياء أخرى. عن تخمة الأغنياء. عن أجيال ضاعت. عن عويل الأرامل و أنات المرضى فى المستشفيات. عن نسائم الحرية فترطب حرارة أيلول المزعجة و المثيرة للأحزان. أنهى دوره ببراعة. تحدث معه بعض الناس. عبروا عن اعجابهم بالتغيرات الجديدة التى طرأت على الدور. لم تفلح هذة الكلمات الجميلة فى محو آثار الحزن. أصبحت عواصف الهم عاتية. لا يقوى على المقاومة
-ه-
يغادر فراشه بحيوية. ما سر هذا النشاط؟ لا يعرف. انه يوم الأجازة. ألهذا السبب يشعر بالسعادة؟ لا يهم. يفتح كراسة مذكراته. يبدأ فى الكتابة بكل حماس. سرح قليلا و قرأ ما كتب لينهى فكرته. يعشق شعر العامية. تعجب كثيرا مما كتب: " أنا ألم.. أنا الى قلبى راح و انهزم.. أنا شجن.. قلبى بقى حتة ألم.. يا قلبى يا قنديل.. يا زيت.. يا عفن.. يا صدى". ما هذا؟ تفضحه أنامله رغم الحالة الواهية من السيطرة على النفس. يضع كل هذا جانبا. يبعد هذة الخواطر الخطيرة. يفتح البلكونة. يتنفس الهواء بعمق. يشعر بحالة من النشوة. مفتاح البهجة هو الصبر. يا ليته يرضى بالقسمة. يتذكر رباعية لصلاح جاهين. تسمو روحه مع أبياتها
فتحت شباكى لشمس الصباح
ما دخلش منه غير عويل الرياح
وفتحت قلبى عشان أبوح بالألم
ما خرجش منه غير محبة و سماح
شعر بنوع من السعادة والبهجة حين رددها. رغم ما أحدثه الفراق من فجوة و رغم ما سببه من ألم الا أنه يشفق عليها. أنا اتقدملى عريس شوفلك حل. اجتاحته أحاسيس كثيرة. خوف. جزع. دهشة. أنين. غضب. يأس وعجز. جاء اليوم الذى يخافه. ظهرت مخاوفه و تجسدت أمام عينيه فى ثوب عريس جديد. مرت فترة وهى مندهشة أنه لا يرد عليها. انتى عارفة انى ظروفى صعبة. طيب ايه الحل؟ أنا بجد مش عارف. أنا مصدوم. أنت مصدوم و أنا فى وش المدفع. أنت أنانى قوى. ثم برقة و استسلام: أرجوك اعمل اى حاجة. افترقا على وعد باللقيا. ذهب. انتظرها حتى مل. لم يرها بعد ذلك أبدا. حتما ستستمر الحياة. لابد من نسيان الماضى الجميل ومحاولة عيش الواقع المرير. هل اكتفيت من جلد الذات؟ لاأعرف. سأتوقف عن هذا يوما ما. لا أستطيع محو صورتها من ذهنى. عيونها تطلب المساعدة. بداخلها صرخة مكتومة لم تجرؤ على البوح بها. ما أقسانى! توالت الأيام متشابهة. روتينية. مملة. رغن التغيرات التى منى بها الدور. و رغم الصمود فى وجه أعداء التغيير. حياته صراع. مع نفسه ومع الناس. شغل المسجل. وفاضت روحه مع النغمات الندية. ليرى نفسه و لأول مرة دون أقنعة. دون تمثيل

ليست هناك تعليقات: