الثلاثاء

كأس أسيا عراقيا







عيون مترقبة. تتابع بشغف. تناسوا للحظات اختلافاتهم و انتماءاتهم الطائفية. وحدت الرياضة الجميع. ترى كل هذا فى احتفال الأشقاء فى شوارع القاهرة. ليت الخط السياسى يكون أكثر وضوحا و شفافية كالجانب الرياضى. عمت الفرحة جميع أرجاء العراق. جاءت الأنباء هذة المرة مختلفة تشوبها الكثير من الفرحة و القليل جدا من الأسى على عكس أخبار كل يوم. هجمات تحصد المئات وسط صمت دولى و عربى مخيف. فى ذلك اليوم لا جرحى و لا قتلى و لا ارهاب فقط فوز و فرح. أضفت الرياضة البسمة على شفاة الجميع و أجواء الاحتفالات غمرت المكان، رغم استمرار مسلسل القتل اليومى والانفلات الأمنى. الرياضة فقط جمعت العراقيين وهو ما يعطينا الأمل بأتحاد الجميع رغم الصعاب ورغم الاحتلال الذى بات جرحا مفتوحا فى خاصرة الشعب العراقى. لكن مازالوا شعبا له ارادة حياة

الاثنين

فى دايرة الرحلة


تمر علينا السنون. الواحد تلو الأخرى. كل شىء يمر سريعا. ونحن لا نلاحق هذا التتابع السريع. أفكر فيما فعلت فى حياتى. خمس وعشرون عاما قضيتها فى هذة الدنيا و لا أعرف اذا ما أبليت البلاء الحسن أم لا. أسأل نفسى أحيانا: من أين جئت بكل هذة الجرأة؟ لم أكن أتحلى بها فى السابق. فنحن العابرون مع العمر ومع الزمن نكتسب أشياء جديدة لم نكن أبدا نتصور أننا سنقوم بها. أفكر: أين الأنسان الآن فى تلك السنوات الغبراء؟ ضاع كل شىء. الهدوء. السكينة. الانسانية. الوصل الذى حلمنا دوما بأن يكون. نعيش فى مدينة الظلام و الظمأ والصخب. تضمنا ضمة قاسية مخيفة كضمة القبر المظلم. أتذكرأصوات أعجز عن نسيان انكسارها و أصوات هاجرت و تركت كل شىء ورائها و نسيت بمرور الزمن. و الحب الصادق الذى لا قيمة له. و أخطاءى و خسائرى. ولحظات السعادة التى تركت خطوطا شبه واضحة فى خريطة عمرى. و اللحظات الجميلة التى مرت على. لحظات توقف فيها الزمن و أصبح الكون بأسره ملكى. لماذا أتوق الآن إلى تلك اللحظات الدافئة؟ وحلمى الدائم أن أرى نصفى الآخر. إلى متى سأظل هكذا أبحث عن التغيير و أجده و لا أرغب فيه؟ إلى متى سأظل أتجاهل هذا الصوت النقى الواضح النابع من أعماقى؟
أتذكر لحظة انكسارى و بكاء نفسى البائسة. هذا البكاء الخفى العميق. أتذكر أناس تركوا بصمات فى حياتى و آخرون مروا مرور الكرام. السفر. الأصوات الدافئة. الموسيقى الندية. صديقتى التونسية. الوجوه. جيرانى. جلساتنا المليئة بالبهجة والحب والتى تقبع الان فى متحف الذكريات. التطلع إلى الحرية. المدينة المغايرة. الوحدة المنشودة. التخوم التى تفصل بيننا. عداء الأشقاء. وتحالف الاعداء. لحظات الألم و بلوغ الأسى ذروته. أتذكر مرض والدى. المستشفى. سرير المرض. حجرة العناية المركزة. تلك الحجرة الباردة. ومشاهد مليئة بالدموع. كل هذا مررت به. ولا زالت تحفر الذكريات جزءا كبيرا فى نفسى و تكوينى. تركت أثار غائرة، مؤلمة. أنظر إلى المرآة المهشمة فيظهر وجهى نصفان لا اعرف لأى نصف أنتمى أو أى نصف ينتمى إلى. وبدت ملامحى مشوهة و مبعثرة. أصيب وجهى بالشتات و الفرقة كالتى ابتلى بها البعض. يلملمون أجزاءهم المبعثرة علهم يحظون ببعض الأمان. علهم يصلون مدينتهم. قبرهم الكبير. بيوتهم المصمتة المنكسرة
الآن وضعت يدى على موضع الألم:

الحب.. الشقاء.. الانكسار

قلبى المعطوب و أحلامى التائهة

والحرية المنشودة المفقودة


والمجد للمجانين فى هذا العالم البليد- الفاجومى

الجمعة

التقاء و انفصال

التقاء و انفصال
قرب و بعد
وأخيرا أصبحنا كائنا واحد
لكن
من جديد
تباعدنا و تناثرنا
فوق صفحة الماء
ثم
غشينا الموج إلى الأبد
***
نهرب من الاختناق
نبحث عن الهواء
عن نوافذ مفتوحة
عن عوالم مختلفة
عن أماكن نجدد فيها الحياة البائسة
لكن
يخنقنا هواء الوطن
وتخنقنا الغربة
وتزيد بيننا المسافات و المساحات
ولا سبيل الى الخلاص
***

موت يومى أو جنون يومى
لا يهم
رائحة الألم تطغى على المكان
تزكم الأنوف
وتوهن الأبدان
المطعونة بالأسى
وبالغربة
داخل الوطن وخارجه
هل حقا ضاقت بنا الأماكن؟
هل أعيتنا الوحدة؟
***

أيها الكائن الرقيق
فى هذا العالم الموحش
المقفر
هل من سبيل لأنعاش القلوب الميتة؟
هل من وسيلة للقضاء على فتور الروح؟
هل لك بتغيير مسارى؟
أتوق الى قطرات المطر
أتوق إلى ضمة المجهول
***

آآه
الأنسان
يا لحظه العاثر
مطحون فى هذة المدينة القاسية
فهو مجرد خيال
فى هيئة انسان
يزحف فى أعماق الليل
وتزداد الحياة غموضا
وتعقيدا
وتموت فينا الأشياء
الواحدة تلو الأخرى
ليولد شىء آخر
(أى شىء بالتحديد؟)
أصبحنا كسلع معدة للبيع
بأبخس الأثمان
أصبحنا أشياء جامدة
خامدة.. واهنة
والبلاد تحتفل
رغم كل هذا
بميلاد الزعيم
وبحكمة الزعيم
أنظر اليهم
وأقول
من أين أتت تلك الكائنات الغريبة؟
اللوحة من أعمال الفنان التشكيلى الرائع: عاطف زرمبه

كراهية الذات

أتحدث مع أناس فأجدهم يكرهون أنفسهم إلى حد مثير للشفقة. هذا يكره شكله وتلك تكره جسدها. والكل يتحدث على نفس الوتيرة. كراهية الذات تحتل الجزء الأكبر من حياة بعضنا. ما أسباب كراهية الذات إلى هذا الحد؟ كنا نتجول أنا وصديقة لى. هذة الفتاة تكره جسدها لعدم تناسقه. رأيت الكثير ممن يسخرون منها ويسمعونها أبشع الألفاظ. علة أخرى من العلل التى أصابت المجتمع. أضيفوها إلى انحدار الأخلاق و اختلال الموازين وتبدل النفوس وتفشى الحقد والكراهية وحالة الموات التى أصابت الضمائر والخرس الجماعى الذى أصاب الأغلبية وشبة الاتفاق فيما بينهم على الخنوع والخضوع وقبول الذل والمهانة.
العنصرية
فى يوم ركبت المترو لأذهب إلى التحرير ودخل معى بنات صغار ذوات البشرة السمراء. كن يتحدثن عربية غريبة. نظرت إليهن و ابتسمت. ابتسمن لى. وفجأة ظهرت سيدة من العدم تسخر منهن ومن لون بشرتهن مع أنها لم تكن فاتحة البشرة. وظلت تسخر من فقر بلادهن و أنهن بلا أوطان وبلا أموال والغريب أنها قالت لهن: أنتن تركتن بلادكن هربا من الجفاف والأمراض والفقر. أتسآل: أين نحن من كل هذا؟ تتكلم عن بلدهن كأن مصر سلمت من كل هذا. لا فقر (أربعون فى المائة أو أكثر تحت خط الفقر) ولا جفاف (متناسية ثورة العطاشى و الغلابة الذين يشربون مياه مختلطة بالصرف الصحى ان وجدت ومياه مقطوعة منذ سنين) و لا مرض (عندنا بؤر لمرض السل و أنفلونزا الطيور وفيروس سى وأمراض القلب و الضغط والسكر). والغريب أننا ندين بدين الأسلام الذى منذ بدايته لم يعرف الغلظة والاستكبارولم يعرف حرب الأجناس ولا تعصبات الأعراق وأخبرنا فيه النبى الحبيب-صلى الله عليه وسلم- بأن أهل الشرق لا يتفضلون على أهل الغرب، فالعربي لا يتفضل على الأعجمي، والأعجمي لا يتفضل على العربي إلا بالعمل الصالح والتقوى: "يا أيها الناس ألا ‏إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا ‏لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى، أبلّغت؟ قالوا: بلّغ رسول الله ‏‏صلى الله عليه وسلم". يتناسى الناس المساواة المطلقة بين البشر دون تفرقة أو عنصرية أو تمييز
حادثة أخرى تبغض العنصرية فى النفوس عندما كان أحد الصحابة يسخر من آخر وعايره بدقة أرجله فقال له الرسول: (والله ان هاتين الساقين اثقل عند الله من جبل احد) والله ان فيك شيئا من الجاهلية. وشعر الصحابى بفداحة فعلته. هل نحس نحن بفداحة أفعالنا؟ أم أن العقد التى تمارس علينا وتشعرنا بالدنو والحقارة عندما نسافر إلى أى مكان تجعلنا نتوق إلى جعل الآخرين يدفعون الثمن مثلنا؟
مواقف كثيرة حدثت أمامى و أخرى يحكيها الناس. عنصرية بذيئة تجاه أشقاء لنا من نفس القارة. أم تناسينا ما حدث للاجئين السودانيين الذين تجمهروا فى شارع جامعة الدول العربية من ضرب واعتداء وسحل وطرد. كانت حادثة مخزية بكل المقاييس. لا أعرف من أين جئنا بهذة النعرة الكاذبة وبهذا الاحساس بالعلو والاختلاف رغم ما نعانيه من عبودية بشكل من الأشكال. هذا يشبه تماما رجل يعانى الأمرين وتمارس ضده جميع أشكال التنكيل و التحقير و الأهانة والذل. وعندما يرجع إلى بيته يفعل الأشياء ذاتها مع أهله فقط لكى يشعر بأن رجولته لم تضع و أن كرامته لم تسحق
أقول لمن يعتقدون بالقبح فى أجسادهم أو أشكالهم: أنكم خلقة الله تعالى. صوركم فى أحسن صورة. وأن من يسخر منكم هو فعليا يسخر من خلقة الله لكم. ومن منا لا يبتلى فى هذة الحياة الدنيا؟ لما لا تكفوا جميعا عن سحق ذاتكم؟ لما لا تخففون من وطأة كراهيتكم لأنفسكم علكم تحظون ببعض من السلام والسكينة والرضا؟
ماذا يحدث لنا؟ ماذا يحدث لمجتمعنا؟ بدأت أشعر أن ما يحدث هو جزء وليس كل ما نستحق

إن الإسلام -كالعِلم- لا وطن له، فلا عنصر يحتكره، ولا أرض تحدّه، فوطنه الفسيح هو العقل الحر، والقلب الإنساني الكريم؛ لذا كانت الدعوة الجديدة رحمة جديدة تغمر الأرض كلها، وليست إرهابًا نازلاً من السماء

الاثنين

أستاذتى .. أراك فى الحياة الأخرى

ارتدت نفسى السواد حزنا على فقدانها فور سماع الخبر الأليم. أحسست بألم ووحشة الفراق. مصاب كبير وفادح. ذهبتى عنا هكذا دون رجعة. د. سهير، لطالما ملأ وجودك وحضورك الطاغى قاعة المحاضرات بجامعة القاهرة- قبل أن تحصلى على الدكتوراه كنت تدرسين وقتها هناك قبل جامعة حلوان- قسم اللغة الأسبانية بهجة. صنعت هالة المجد بأجتهادك وتفانيك وتعاطفك معنا نحن الطلبة. كان شرحك خاليا من التعقيد وكان تعاملك معنا خاليا من عجرفة الدكاترة وأساتذة الجامعات. تبسطين لنا الأشياء وتنزلين إلى عقول الطلاب. أحببت المسرح- المادة التى كنت تدرسينها- بكل تياراته و أساليبه و كتابه. كنا نحلق فى عالم المسرح معك، نتخيل شخوصه بكل ما فيها من تعقيدات وتداخلات وصراعات. مسرح القرن السادس و السابع و الثامن عشر. كانت أيام رائعة حقا. وها نحن نطل من نافذة الحنين نبحث عنك فلا نجد إلا أثرك العميق و سمتك الحسن. د. سهير، لقد حولتى مادة ضخمة معقدة إلى واحدة من أمتع المواد التى درسناها على مدار أربع سنوات. كان تشجيعك إيانا نبراسا ينير لنا الظلمات ويحل لنا جميع العقد. لطالما ساعدتينا فى انتقاء الكتب والمراجع وتعطين لنا إرشادات تسهل عمل البحث المطلوب منا. ذهبت إليك فى يوم و شكوت لكى حيرتى. كان عقلى متوقف و لم أستطع اختيار المسرحية موضوع البحث. ساعدتينى كثيرا. لم أجد منك إلا كل ترحيب. والله لا أقول هذا من باب المجاملة أو من باب اذكروا محاسن موتاكم و إنما أذكر هنا الحقيقة المجردة. عندما رأيتك للمرة الأخيرة قبل انتهاء العام الدراسى سألتى عن أحوالى وعن البحث. كنت أنت وقتها على وشك نيل الدكتوراة. ودعوتنى لحضور المناقشة. عذبك رئيس القسم فى ذلك الوقت كثيرا وأرهقك على غير المعتاد بالأسئلة المجحفة أحيانا. كان يتصيد لك الأخطاء رغم معرفة الجميع أن أى رسالة دكتوراه لا تخلو من الأخطاء مهما فعل الباحث والمشرف. وأعطوكى ساعتها درجة الدكتوراه بتقدير جيد جدا وليس بتقدير امتياز. كانت نظراتك مليئة ببعض الحزن. ولكن لا يهم. هنأك الجميع رغم ذلك. ولما دخلنا الأمتحان وجدنا أسئلة رائعة تعمل العقل وتدفع الأنسان إلى التفكير فى اجابة مناسبة لا إلى التسميع كما تعودنا. وحصلت معظم الدفعة على درجات رائعة فى البحث رغم معرفتك بتقصيرنا. ومضينا بعد ذلك فى طريق النجاح
نامى الآن فى هدوء
بعدما سكن جسدك الألم
ومزقته المعاناة
نامى يا زهرة الشباب
وقد ورى جسدك الطيب الثرى
وانعمى بكامل العفو والغفران الألهى
وألهم الله أسرتك و أحبابك الصبر و السلوان
والتماسك فى هذة الأوقات الصعبة
وألهمنا الصبر على فراقك يا سها
كما كان يلقبك المقربون
ونسأل الله لك العفو والغفران والتثبيت
وقبر مفروش من فراش الجنة
وأسكنك فسيح جناته
الفاتحة
آمين
وداعا دكتورة سهير عصفور ونراك قريبا
وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

الجمعة

حصار الأعداء أهون أحيانا من عذاب الأشقاء

أبدان منهكة
وأجساد منزوية
وعيون تتطلع إلى أعلى
بحدقاتها المنطفئة
وبآمالها المنسحقة
عالقون فى معبر
يكتوون بنار الأشقاء
قبل الأعداء
ينهشونهم بأظافرهم
ويسحقونهم بقبضاتهم
والناس فى سبات عميق
أو يتذكرون أخر أيام التمرد
ويكتمون صرخات أجسادهم ونداءات ضمائرهم
***
أشباه بشر
واقفون على حافة الضياع
وقد انفرط عقد حياتهم
وآخرون داخل وطنهم
يشهرون الأسلحة
على عظام من تبقى منهم
ويدوسون على جماجمهم
وتنطلق أبواق النفاق
هنا وهناك
تنادى بالأنسانية للأنسان
أى غيبوبة هذة؟
***
ها هم من جديد منتهكون
محتجزون
من أشقاء مزعومين
وقد اتقدت الثورة الكامنة داخلهم
أن لا تخاذل
أن لا تراجع
رافعين الصوت
"تسمعه صراخ أحيانا"
وحشود الأمل تتراص
قاذفة طلقاتها فى الهواء
من أجل حلم الحرية اللذيذ
حتى لو قابلناهم- نحن الأشقاء- بالصمت المشين
"حقا تحدث أشياء يندى لها الجبين وتشيب لها الولدان"
***
والآن
عيون لا تبصر
وخيوط دم ترسم على الأرض
رمز السلام
"بعيد المنال أحيانا"
ورغم ذلك
حانت ساعة المواجهة
***
عالقون فى معبر رفح. تدهورت أحوالهم وأصحبت أوضاعهم الصحية والنفسية مزرية. وكشر الموت عن أنيابه الحادة مستعدا لإلتهام البعض منهم. ففى النهاية لا أحد يهتم ولا أحد يعبأ بهم. تلك واحدة من الأشياء التى يندى لها الجبين.مضطهدون داخل أوطانهم. يصطلون بنار الأشقاء - اذا كنا حقا كذلك- قبل الأعداءوتصريحات هنا وهناك تناشد بفك الحصار عنهم وأخرى من أجل فتح المعبر. ظروف معيشية صعبة و أوضاع مأساوية على الحدود المصرية الفلسطينية. وجميع الأبواب موصدة أمامهم. فكيف لحكومة تستعبد شعبا - قهر وتنكيل وقتل للحريات- وتتخذ منه أسرى أن تتحرك سريعا من أجل فتح معبر أو أن تلقى بالا لهؤلاء العالقين "هم بالأحرى محتجزين" على الحدود؟

أى مواثيق دولية وإنسانية؟ أى أمم متحدة؟ وأى منظمات حقوق إنسان؟ هل من مكان للأنسان فى هذا الزمن، فى هذا العالم القذر؟

كيف لنظام يعذب ويقهر شعبه ويتعاون مع الأعداء بأن تأخذه الرحمة والشفقة بهؤلاء المعذبين داخل وطنهم وخارجه؟ كيف لنظام بهذة الصلافة والبلطجة والقسوة والنفاق بأن يلتفت لهؤلاء ضحايا الصمت العربى الفاجر؟
لقد صم الجميع آذانهم عن نداءات ضمائرهم . تلك النداءات التى تشبه الصراخ داعية إياهم أن أفيقوا من سباتكم و انهضوا و ساندوا الحق وازهقوا الباطل. هل من مجيب؟ لا شىء سوى الصمت المشين. لكن ما حدث فى الآونة الأخيرة من انشقاق وتصارع بين أبناء الوطن الواحد على جزء صغير جدا من الوطن الكبير المغتصب منذ خمسين عاما كأنهم مجموعة من فاقدى العقل والأدراك لهو شىء مهين حقا يترك فى النفس قليل من الشفقة وكثير من الغضب، حيث الابتعاد عن الهدف الرئيسى الذى من أجله ضحى الكثير منهم
شىء آخر يثير الحنق ، هذا الرجل العجيب "أبو مازن" ذلك الرئيس الذى يتمسح على العتبات الامريكية. ها هو يتذلل لهم من أجل ماذا؟ ضمان البقاء على الكرسى. يا لهذا الكرسى اللعين. ها هو يقبل الأيادى ويقدم فروض الولاء والطاعة لينال بركة الصهاينة - ألا لعنة الله عليهم. هو يعرف ذلك وكلنا يعرف ذلك. ربما يصيب كرسى السلطة ببعض من الغفلة المتعمدة والرخاوة والكذب على النفس والمداهنة رغم جلاء الحقيقة. ها هو يلف العالم فقط لكى يكسر شوكة حماس ويقلب الدنيا عليهم ويضيق عليهم الأرض بما رحبت. أى صفاقة وأى عبث؟

فقط أرجعوهم إلى وطنهم

"كل ما أنشده هوالعدل. كل ما أريده ألا تهان كرامتى ولا تنتهك حريتى و لا يستباح عرضى و لا أفقد إنسانيتى- التى كرمنا الله به جميعا- أأطلب الكثير؟ وهل مازالت هناك ضمائر؟ هل هناك أشخاص أسوياء حتى الآن؟ وهل هناك فرصة لثورة؟ ربما

السبت

مساحة للتنفس

أمشى فى أرجاء العاصمة. أبحث عن هواء نقى. ولا أجد إلا هواء الوطن العطن. وتتراءى لى بقع القذارة على صفحة السماء الصافية . بحثت عن أى شىء جديد. فلم أجد. نفس الجنون. نفس العبث. عاصمة أصبحت ساحة للفوضى والأسرى. أرجلى أصبحت متيبسة من كثرة المشى وعقلى بات مهموما. أى كائنات صرنا؟ لما أصبحت القذارة مطمورة بداخل نفوسنا؟ لم أحصل على جرعة هواء نقية منذ أن قررت المشى. أفكر فى أن حياتنا أصبحت مجرد قصاصات اوراق مبعثرة. وتناثر العمرفى هذا الزحام. وأصبح كل شىء مغلف بالتعاسة. حتى الهواء أصبح محمل بذرات الحزن المتراكمة بما يشبه التلوث. كل هذا يوقظ داخلى احساس بأن الأمل قد انتهى وان الروح قد غاصت إلى الأبد فى جب التعاسة العميقة
لم يخرجنى من هذة الأفكار إلا رائحة الهواء المحملة بالغبار والدخان والهاموش. أود لو أفقد حاسة الشم إلى الأبد. أتذكر عندما سافرت إلى أسبانيا. حيث الهدوء النسبى والانعتاق من دوامة الحياة المملة والخفة الغيرمعهودة للجسد. أخذ دفعات من الهواء النقى. أغسل بها رئتاى و أتأمل نوعا أخر من البشر. والعاصمة تأسرنى بجمالها وتدفعنى إلى أحضانها طوعا. أشجار متلاحمة مع البشر ومع الأفق. وبقع خضراء كثيفة تمتد على مرمى البصر. وكلما تجولت بناظرى لا أجد إلا الجمال. ولكن للأسف أدمنت هواء الوطن العطن فلم تتحمل رئتاى كل هذا النقاء. كلما اقتربت من غرناطة أحس بهمس المدينة الخاشع. أشم روائح المجد الزائل. أحس بدفء غريب وألفة غير معهودة. أزور قصر الحمراء. يطرأ على نوع من الأسى المفاجىء. رغم أن الجمال يكتنف الوجود. سحب زرقاء. نسمات طرية. ووجوه تغلفها الابتسامة. تنتابنى رغبة عارمة بالجرى. هنا لا أحد يكترث بالآخر. هنا لا تدس الناس أنوفها لهتك خصوصية الآخر. أتذكر كيف أننا وبشكل مخجل نحشر أنوفنا فيما يعنينا وفيما لا يعنينا. "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" أين ضاعت تلك القيم؟ أخذنا منهم كل قبيح وتركنا كل جميل لدينا بدعوى الانفتاح. فجأة تتغير الأجواء من حولى. أجد عبد الله الصغير فى استقبالى. أتذكر قصة المفتاح الأندلسى المتوارث. خلت ملامحه من علامات اليأس والاستسلام. لم يغادرهذة المرة وهو يبكى وأمه تقول له: ابك مثل النساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال عندما سلم فرديناند وايزابيلا مفتايح الأندلس كلها. يلوح من عينيه نوع من الانكسار رغم أنه جاء ليسلمنى مفاتيح غرناطة هذة المرة. تجولنا معا وتأملنا كل هذا الكم الآثر من الجمال. مدينة اسلامية متكاملة. زخارف بديعة. ألوان تحدت الزمن. أيات فن الرقش والحفر والتعشيق. ومياة لا زالت تجرى تحت أرجلنا داخل قنوات صغيرة لتخرج فى النهاية من فم أسد صغير مكونة نافورة بديعة من المياة يتناثر رذاذها على وجهى. الخضرة تحاصر القصر. كلما أمشى يزداد خوفى. أخاف جدا من الارتفاعات. لكن فجأة أصطدم بطفلة صغيرة توقظنى من هذا الحلم الجميل. اصطدام زاد من تعاستى. وذكرنى بشوارع الوطن أمشى فيها بحذر خشية الاصطدام بكل هذا الكم من البشر. زحمة خانقة أهرب منها إلى الأرصفة. أعرف لماذا لا يمشى أحد على الرصيف. فالأرصفة هنا عالية جدا ومؤلمة للأرجل والظهر. كأنى أصعد تلال وأهبط منها. لا أعرف ماهية موجة التعاسة تلك التى تسمم على فرحتى وتشعرنى بأنه لا حق لى فى السعادة. كلما تلفت ألمح "لا غالب إلا الله" تزيد من بقعة الأمل داخل نفسى و تنبؤنى بأنفراجة قريبة. ونفض العبودية عنا إلى الأبد واستعادة الإنسانية التى كرمنا بها الله. تغسل روحى بالصفاء الموجود هنا. بالهواء النقى الشفاف والوجوه المبتسمة. أتذكر وجوه الناس فى بلادى: مكرمشة ومكشرة وحزينة. يدهمنى احساس مفاجىء بالبكاء. أترك شلال دموعى ينهمر وأحاول جاهدة أن أركز فى شىء واحد فقط. شىء يقضى على الشعور بالألم. وجه الأحباب يلوح فى الأفق وتصغر الأشياء بل و تتضآل كلما انتقلت إلى مكان أعلى

أصبحت أكره الوطن وصرت أتمنى له مزيدا من التردى والتدهور. أخشى أن احاكم على كراهيتى الواضحة. فأنا أحاكم الآن عليها من الناس ربما قريبا تصبح مقننة. تمهة "كراهية الوطن" بدعة جديدة. أنا غير سعيدة