السبت

مساحة للتنفس

أمشى فى أرجاء العاصمة. أبحث عن هواء نقى. ولا أجد إلا هواء الوطن العطن. وتتراءى لى بقع القذارة على صفحة السماء الصافية . بحثت عن أى شىء جديد. فلم أجد. نفس الجنون. نفس العبث. عاصمة أصبحت ساحة للفوضى والأسرى. أرجلى أصبحت متيبسة من كثرة المشى وعقلى بات مهموما. أى كائنات صرنا؟ لما أصبحت القذارة مطمورة بداخل نفوسنا؟ لم أحصل على جرعة هواء نقية منذ أن قررت المشى. أفكر فى أن حياتنا أصبحت مجرد قصاصات اوراق مبعثرة. وتناثر العمرفى هذا الزحام. وأصبح كل شىء مغلف بالتعاسة. حتى الهواء أصبح محمل بذرات الحزن المتراكمة بما يشبه التلوث. كل هذا يوقظ داخلى احساس بأن الأمل قد انتهى وان الروح قد غاصت إلى الأبد فى جب التعاسة العميقة
لم يخرجنى من هذة الأفكار إلا رائحة الهواء المحملة بالغبار والدخان والهاموش. أود لو أفقد حاسة الشم إلى الأبد. أتذكر عندما سافرت إلى أسبانيا. حيث الهدوء النسبى والانعتاق من دوامة الحياة المملة والخفة الغيرمعهودة للجسد. أخذ دفعات من الهواء النقى. أغسل بها رئتاى و أتأمل نوعا أخر من البشر. والعاصمة تأسرنى بجمالها وتدفعنى إلى أحضانها طوعا. أشجار متلاحمة مع البشر ومع الأفق. وبقع خضراء كثيفة تمتد على مرمى البصر. وكلما تجولت بناظرى لا أجد إلا الجمال. ولكن للأسف أدمنت هواء الوطن العطن فلم تتحمل رئتاى كل هذا النقاء. كلما اقتربت من غرناطة أحس بهمس المدينة الخاشع. أشم روائح المجد الزائل. أحس بدفء غريب وألفة غير معهودة. أزور قصر الحمراء. يطرأ على نوع من الأسى المفاجىء. رغم أن الجمال يكتنف الوجود. سحب زرقاء. نسمات طرية. ووجوه تغلفها الابتسامة. تنتابنى رغبة عارمة بالجرى. هنا لا أحد يكترث بالآخر. هنا لا تدس الناس أنوفها لهتك خصوصية الآخر. أتذكر كيف أننا وبشكل مخجل نحشر أنوفنا فيما يعنينا وفيما لا يعنينا. "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" أين ضاعت تلك القيم؟ أخذنا منهم كل قبيح وتركنا كل جميل لدينا بدعوى الانفتاح. فجأة تتغير الأجواء من حولى. أجد عبد الله الصغير فى استقبالى. أتذكر قصة المفتاح الأندلسى المتوارث. خلت ملامحه من علامات اليأس والاستسلام. لم يغادرهذة المرة وهو يبكى وأمه تقول له: ابك مثل النساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال عندما سلم فرديناند وايزابيلا مفتايح الأندلس كلها. يلوح من عينيه نوع من الانكسار رغم أنه جاء ليسلمنى مفاتيح غرناطة هذة المرة. تجولنا معا وتأملنا كل هذا الكم الآثر من الجمال. مدينة اسلامية متكاملة. زخارف بديعة. ألوان تحدت الزمن. أيات فن الرقش والحفر والتعشيق. ومياة لا زالت تجرى تحت أرجلنا داخل قنوات صغيرة لتخرج فى النهاية من فم أسد صغير مكونة نافورة بديعة من المياة يتناثر رذاذها على وجهى. الخضرة تحاصر القصر. كلما أمشى يزداد خوفى. أخاف جدا من الارتفاعات. لكن فجأة أصطدم بطفلة صغيرة توقظنى من هذا الحلم الجميل. اصطدام زاد من تعاستى. وذكرنى بشوارع الوطن أمشى فيها بحذر خشية الاصطدام بكل هذا الكم من البشر. زحمة خانقة أهرب منها إلى الأرصفة. أعرف لماذا لا يمشى أحد على الرصيف. فالأرصفة هنا عالية جدا ومؤلمة للأرجل والظهر. كأنى أصعد تلال وأهبط منها. لا أعرف ماهية موجة التعاسة تلك التى تسمم على فرحتى وتشعرنى بأنه لا حق لى فى السعادة. كلما تلفت ألمح "لا غالب إلا الله" تزيد من بقعة الأمل داخل نفسى و تنبؤنى بأنفراجة قريبة. ونفض العبودية عنا إلى الأبد واستعادة الإنسانية التى كرمنا بها الله. تغسل روحى بالصفاء الموجود هنا. بالهواء النقى الشفاف والوجوه المبتسمة. أتذكر وجوه الناس فى بلادى: مكرمشة ومكشرة وحزينة. يدهمنى احساس مفاجىء بالبكاء. أترك شلال دموعى ينهمر وأحاول جاهدة أن أركز فى شىء واحد فقط. شىء يقضى على الشعور بالألم. وجه الأحباب يلوح فى الأفق وتصغر الأشياء بل و تتضآل كلما انتقلت إلى مكان أعلى

أصبحت أكره الوطن وصرت أتمنى له مزيدا من التردى والتدهور. أخشى أن احاكم على كراهيتى الواضحة. فأنا أحاكم الآن عليها من الناس ربما قريبا تصبح مقننة. تمهة "كراهية الوطن" بدعة جديدة. أنا غير سعيدة

هناك تعليقان (٢):

غير معرف يقول...

اصبر ولا تياس ولا تحزن فان فرج الله قريب وغدا نرى النور وربنا يفرجها علينا جميعا بلد عايزه ال--------

غير معرف يقول...

اين الجديد متوق الى روؤيه جديدك
هايز اعرف حاجه هو انت ولد ولا بينت والله معرف لد دلوقتى