الجمعة

كراهية الذات

أتحدث مع أناس فأجدهم يكرهون أنفسهم إلى حد مثير للشفقة. هذا يكره شكله وتلك تكره جسدها. والكل يتحدث على نفس الوتيرة. كراهية الذات تحتل الجزء الأكبر من حياة بعضنا. ما أسباب كراهية الذات إلى هذا الحد؟ كنا نتجول أنا وصديقة لى. هذة الفتاة تكره جسدها لعدم تناسقه. رأيت الكثير ممن يسخرون منها ويسمعونها أبشع الألفاظ. علة أخرى من العلل التى أصابت المجتمع. أضيفوها إلى انحدار الأخلاق و اختلال الموازين وتبدل النفوس وتفشى الحقد والكراهية وحالة الموات التى أصابت الضمائر والخرس الجماعى الذى أصاب الأغلبية وشبة الاتفاق فيما بينهم على الخنوع والخضوع وقبول الذل والمهانة.
العنصرية
فى يوم ركبت المترو لأذهب إلى التحرير ودخل معى بنات صغار ذوات البشرة السمراء. كن يتحدثن عربية غريبة. نظرت إليهن و ابتسمت. ابتسمن لى. وفجأة ظهرت سيدة من العدم تسخر منهن ومن لون بشرتهن مع أنها لم تكن فاتحة البشرة. وظلت تسخر من فقر بلادهن و أنهن بلا أوطان وبلا أموال والغريب أنها قالت لهن: أنتن تركتن بلادكن هربا من الجفاف والأمراض والفقر. أتسآل: أين نحن من كل هذا؟ تتكلم عن بلدهن كأن مصر سلمت من كل هذا. لا فقر (أربعون فى المائة أو أكثر تحت خط الفقر) ولا جفاف (متناسية ثورة العطاشى و الغلابة الذين يشربون مياه مختلطة بالصرف الصحى ان وجدت ومياه مقطوعة منذ سنين) و لا مرض (عندنا بؤر لمرض السل و أنفلونزا الطيور وفيروس سى وأمراض القلب و الضغط والسكر). والغريب أننا ندين بدين الأسلام الذى منذ بدايته لم يعرف الغلظة والاستكبارولم يعرف حرب الأجناس ولا تعصبات الأعراق وأخبرنا فيه النبى الحبيب-صلى الله عليه وسلم- بأن أهل الشرق لا يتفضلون على أهل الغرب، فالعربي لا يتفضل على الأعجمي، والأعجمي لا يتفضل على العربي إلا بالعمل الصالح والتقوى: "يا أيها الناس ألا ‏إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا ‏لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى، أبلّغت؟ قالوا: بلّغ رسول الله ‏‏صلى الله عليه وسلم". يتناسى الناس المساواة المطلقة بين البشر دون تفرقة أو عنصرية أو تمييز
حادثة أخرى تبغض العنصرية فى النفوس عندما كان أحد الصحابة يسخر من آخر وعايره بدقة أرجله فقال له الرسول: (والله ان هاتين الساقين اثقل عند الله من جبل احد) والله ان فيك شيئا من الجاهلية. وشعر الصحابى بفداحة فعلته. هل نحس نحن بفداحة أفعالنا؟ أم أن العقد التى تمارس علينا وتشعرنا بالدنو والحقارة عندما نسافر إلى أى مكان تجعلنا نتوق إلى جعل الآخرين يدفعون الثمن مثلنا؟
مواقف كثيرة حدثت أمامى و أخرى يحكيها الناس. عنصرية بذيئة تجاه أشقاء لنا من نفس القارة. أم تناسينا ما حدث للاجئين السودانيين الذين تجمهروا فى شارع جامعة الدول العربية من ضرب واعتداء وسحل وطرد. كانت حادثة مخزية بكل المقاييس. لا أعرف من أين جئنا بهذة النعرة الكاذبة وبهذا الاحساس بالعلو والاختلاف رغم ما نعانيه من عبودية بشكل من الأشكال. هذا يشبه تماما رجل يعانى الأمرين وتمارس ضده جميع أشكال التنكيل و التحقير و الأهانة والذل. وعندما يرجع إلى بيته يفعل الأشياء ذاتها مع أهله فقط لكى يشعر بأن رجولته لم تضع و أن كرامته لم تسحق
أقول لمن يعتقدون بالقبح فى أجسادهم أو أشكالهم: أنكم خلقة الله تعالى. صوركم فى أحسن صورة. وأن من يسخر منكم هو فعليا يسخر من خلقة الله لكم. ومن منا لا يبتلى فى هذة الحياة الدنيا؟ لما لا تكفوا جميعا عن سحق ذاتكم؟ لما لا تخففون من وطأة كراهيتكم لأنفسكم علكم تحظون ببعض من السلام والسكينة والرضا؟
ماذا يحدث لنا؟ ماذا يحدث لمجتمعنا؟ بدأت أشعر أن ما يحدث هو جزء وليس كل ما نستحق

إن الإسلام -كالعِلم- لا وطن له، فلا عنصر يحتكره، ولا أرض تحدّه، فوطنه الفسيح هو العقل الحر، والقلب الإنساني الكريم؛ لذا كانت الدعوة الجديدة رحمة جديدة تغمر الأرض كلها، وليست إرهابًا نازلاً من السماء

ليست هناك تعليقات: