الاثنين

أستاذتى .. أراك فى الحياة الأخرى

ارتدت نفسى السواد حزنا على فقدانها فور سماع الخبر الأليم. أحسست بألم ووحشة الفراق. مصاب كبير وفادح. ذهبتى عنا هكذا دون رجعة. د. سهير، لطالما ملأ وجودك وحضورك الطاغى قاعة المحاضرات بجامعة القاهرة- قبل أن تحصلى على الدكتوراه كنت تدرسين وقتها هناك قبل جامعة حلوان- قسم اللغة الأسبانية بهجة. صنعت هالة المجد بأجتهادك وتفانيك وتعاطفك معنا نحن الطلبة. كان شرحك خاليا من التعقيد وكان تعاملك معنا خاليا من عجرفة الدكاترة وأساتذة الجامعات. تبسطين لنا الأشياء وتنزلين إلى عقول الطلاب. أحببت المسرح- المادة التى كنت تدرسينها- بكل تياراته و أساليبه و كتابه. كنا نحلق فى عالم المسرح معك، نتخيل شخوصه بكل ما فيها من تعقيدات وتداخلات وصراعات. مسرح القرن السادس و السابع و الثامن عشر. كانت أيام رائعة حقا. وها نحن نطل من نافذة الحنين نبحث عنك فلا نجد إلا أثرك العميق و سمتك الحسن. د. سهير، لقد حولتى مادة ضخمة معقدة إلى واحدة من أمتع المواد التى درسناها على مدار أربع سنوات. كان تشجيعك إيانا نبراسا ينير لنا الظلمات ويحل لنا جميع العقد. لطالما ساعدتينا فى انتقاء الكتب والمراجع وتعطين لنا إرشادات تسهل عمل البحث المطلوب منا. ذهبت إليك فى يوم و شكوت لكى حيرتى. كان عقلى متوقف و لم أستطع اختيار المسرحية موضوع البحث. ساعدتينى كثيرا. لم أجد منك إلا كل ترحيب. والله لا أقول هذا من باب المجاملة أو من باب اذكروا محاسن موتاكم و إنما أذكر هنا الحقيقة المجردة. عندما رأيتك للمرة الأخيرة قبل انتهاء العام الدراسى سألتى عن أحوالى وعن البحث. كنت أنت وقتها على وشك نيل الدكتوراة. ودعوتنى لحضور المناقشة. عذبك رئيس القسم فى ذلك الوقت كثيرا وأرهقك على غير المعتاد بالأسئلة المجحفة أحيانا. كان يتصيد لك الأخطاء رغم معرفة الجميع أن أى رسالة دكتوراه لا تخلو من الأخطاء مهما فعل الباحث والمشرف. وأعطوكى ساعتها درجة الدكتوراه بتقدير جيد جدا وليس بتقدير امتياز. كانت نظراتك مليئة ببعض الحزن. ولكن لا يهم. هنأك الجميع رغم ذلك. ولما دخلنا الأمتحان وجدنا أسئلة رائعة تعمل العقل وتدفع الأنسان إلى التفكير فى اجابة مناسبة لا إلى التسميع كما تعودنا. وحصلت معظم الدفعة على درجات رائعة فى البحث رغم معرفتك بتقصيرنا. ومضينا بعد ذلك فى طريق النجاح
نامى الآن فى هدوء
بعدما سكن جسدك الألم
ومزقته المعاناة
نامى يا زهرة الشباب
وقد ورى جسدك الطيب الثرى
وانعمى بكامل العفو والغفران الألهى
وألهم الله أسرتك و أحبابك الصبر و السلوان
والتماسك فى هذة الأوقات الصعبة
وألهمنا الصبر على فراقك يا سها
كما كان يلقبك المقربون
ونسأل الله لك العفو والغفران والتثبيت
وقبر مفروش من فراش الجنة
وأسكنك فسيح جناته
الفاتحة
آمين
وداعا دكتورة سهير عصفور ونراك قريبا
وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

ليست هناك تعليقات: