السبت

ويبقى


أدرك أنى أنحاز إلى الألم

رغم انحسار أمواج الجراح

إلى شاطىء النسيان

بأنحداراته ونتوءاته

أفكر وأنا فى هذة الغرفة

الباردة

بسريرها الهلامى

أنى لم أمت بعد

و أن جسدى لم يعد مبعثر الأجزاء

و أن التعاسة لا تقتل أحد

و أن الحزن كالشرطى

يعذب دون آثار

يضرب بأحتراف

دون كسور

دون كدمات

لتظهر فقط

خيوط الأسى تتراقص من بعيد

ويبقى أنين الكرامة المذبوحة

ورماد القلب

الذى طالما احترق

***

وتبقى لحظة الغروب

لحظة الموت المؤقت

والميلاد المؤقت أيضا

أعى تماما أن هناك أشياء أقوى منى

وكلمات تستعصى على الخروج

من محراب العقل المقدس

ومعانى الوصل

التى لطالما ظلت بعيدة المنال

لا تقوى الأيادى المرتعشة أن تطالها

***

وتبقى الحياة

بتفاصيلها المملة أحيانا

وتبقى تصدعات الوجدان

ويخفى عن العالم أجمع

هذا الزخم الهائل من الشروخ

ونفسى العارية

تبحث عمن يكسوها

وجسدى العابر

سيوضع حتما فى الوحل

فأنا ابنة الدود

ابنة الأرض العطشى

***

وتبقى أسرار الروح المكنونة

تقبع فى غياهب الجب

تقول للعالم القذر

ارحل عنى

ودعنى أعيش فى سلام

اليوم. أنا لا أقوى على الكلام. هادئة. خاوية العقل. لا انفعال. لا ألم. لا معاناة. و لا بكاء. فقط ضحكات. هل حدث لكم هذا من قبل؟

الآن

أصبحت الأحلام بيتى

والأفكار زادى

فدعونى أرحل

فالرسائل وصلت

والملامح تشوهت

أموات


دموع البشر

تنزل على الوجوه الحزينة

فتكسو الجلد الخشن

فيبدو للحظة هلامى

مشوه.. بلا معالم

دموع

كدموع السماء الجليلة

تمسك بتلابيب زجاج الغرفة

لتتمكن من الحياة

قبل الذوبان والفناء

وتحيل الأرض طينا

و أوراق الشجر المرتعشة

ترتجف من ضمة الشتاء القاسية

والغيوم تصافح السماء

بشرا

ينزفون دموعا مرة

يتحدثون عن أخطائهم

عن همومهم

ويلقون بها على أرصفة النسيان

ويدوسون عليها بأحذيتهم الموحلة

علهم يقضون عليها تماما

أو يدهسون الذكريات الموحشة

وأجد نفسى أبكى و لا أبكى

ليت الجميع يشعر ببكاء أعماقى

وترتسم ابتسامات واهنة

على الشفاه المشقوقة

لكن من جديد

يتوارون داخل أنفسهم

كل يفكر فى الآتى

فى المجهول الغامض

بشر

كل يحمل على كاهله فكرة

ورغبات قديمة مكبوتة

فتسود الوجوه من القهر

ويجرون ذيول الأسى و اللوعة

فتتضآل أجسادهم

وينزون آخر النهار

داخل كتل متآكلة

تسمى بيوتا

يعتصرهم الألم المشين

والصمت الفاجر

هل يعقل أن يكون للصمت أشكال عدة؟

وهل يزيد الخوف من تشوهات الضمير؟

ويتذكرون تلك الأيام الدافئة

أيام الذوبان فى معبد الكرامة

وها هم يرتكبون الخطأ ذاته

التقوقع ذاته

ها هم يركنون إلى الفراغ

ها هم يبنون شواهد قبورهم

ويمزقون شهادات الميلاد

ويطمسون الحياة

ويتطلعون إلى السماء الدامعة بشىء من الخيبة

آملين ببعض الغفران

هل هناك عقاب أقسى من هذا العقاب؟

ورغم المسافات التى قطعوها

لازال الطريق طويلا

ولم يلح بعد فى الأفق بحر الحرية

الحبيس

هل هناك أبعد من الصراخ والأنين؟

ولازالت السماء تزرف

دموع الوداع

وتعلن نهاية الشفقة على البشر

وفشلت مهمة القطرات

فى البقاء على قيد الحياة

وفى افاقتهم من السبات العميق

ومن الضياع فى هذا التيه

وفشلت مساعى البعث من الرقاد

وتحولت الأجساد إلى جثث هامدة عطنة

وغابت عن الوجوه الدماء

ونسيت الأعين اللون الأحمر القانى

فمن اذا يطلق لواء الحق وينطق الأفواه؟؟

الثلاثاء

اختناق


اختناق

أشعر به يأكل جسدى

ويسرى بدمى

ليصرعنى ببطء

أشعر بسطوة الظلام

وبقسوة الصمت

وانطلقت أنهار الدموع

تفرش الأفق

وتكسو السماء بهالة الحزن العميقة

بداخلى صحراء قاحلة

أبحث فيها عن نقطة النور

وعن السعادة المفقودة

فلا أجد إلا سراب

وأسمع أنين الجسد

والكبرياء المسحوق

والكرامة التى وطئتها الأقدام

وحريتى التى ذابت فى رمل الصحراء

و أبحث عن الأمل

ينضح من ثناياها

يشق الأرض

ويعلن عن الميلاد الجديد

وينعم بالحياة

فلا أجد إلا سراب

ويزداد الأنين

ويشتد النواح

وتطلق السماء شتاء الغضب القوى

وأنا أحتمى

وأهرب

لكن

لا مفر من الاختناق

الخميس

مشاتمة


قال الصبي للحمار: يا غبي
قال الحمار للصبي
( يا عربي )

أحمد مطر

الثلاثاء

ذكريات عطنة

هزيمة قديمة. تركت أثارا غائرة. أشعر بها عندما يتحدث أبى عن تلك الأيام. تركت احساسا بالمرارة يبدو أن الزمن غير قادر على محوها. أحسست بتلك النبرة الغريبة المليئة بالألم والذهول حتى بعد مرور أربعين عاما عندما ذكرنى أبى البارحة بأن غدا الخامس من يونيو. وأخذ يتحدث عن الشاب القطرى الذى ظهر فى قناة الجزيرة وسألوه عن النكسة. وأخذنا نضحك أنا وهو عندما قال لى أن الشاب رد بشىء من البلاهة بأنه لا يعرف ماهى النكسة و ان كانت هناك حرب أم لا!! ورغم مرور الزمن وتعاقب الأجيال لازالت الهزائم مستمرة. وتبخرت رائحة أجساد الشهداء. ذابت معانى الوطنية والتضحية. وأصبحت الآن تقبع فى متحف الذكريات. لماذا نشعر بالهزيمة؟ ولماذا تبتلى الأجيال بالهزائم الواحدة تلو الأخرى؟ لماذا ،وعلى الرغم من فظاعة ما حدث فى تلك الفترة، نشعر بأن هزيمتنا الآن أقسى وأبشع؟ ولماذا لم تعد تغضبنا تلك الهزائم؟ ولماذا تعودنا وألفنا هذا الأحساس المر؟
فقر. مرض. ذل. قهر. صمت مشين. خرس عام. حزن. حسرة. اختناق. انتحار. كفر بالقوميات وبالعروبة وبالأوطان. أسطورة الجيش الذى لا يقهر. الخوف. التناقض الكبير الذى نعيشه وحالة الشيزوفرينيا المتأصلة فى الوجدان والعقل والقلب والتى لايمكن انكارها ولا تجاوزها وهى أفدح من الأمل فى اصلاحها. فاسدون بلا عقاب ولا قصاص. ونزاهة ماتت على المشانق وفى الساحات العامة. وكلما زاد الأمل فى التغيير. وكلما أفاقت العقول على ضجيج تحسبه ثورة. نرجع صاغرين تجرنا أذيال الخيبة . ندوات. مظاهرات. هتاف. ضجيج. صراخ. ماذا فعلنا ازاء تلك الهزائم؟ لا شىء سوى الجعجعة الكاذبة لتسكين ألام الضمير المبرحة. بلوى من ضمن البلاوى التى أصيبنا بها. كلام دون أفعال. متى ستكشف الغمة؟ إلى متى سنظل سجناء؟ إلى متى سنرضى بالفتات؟ إلى متى سنقبل بكل تلك الهزائم التى تثير الاشمئزاز وتبعث على الأكتئاب؟
أعتقد أن الهزيمة القديمة لم تترك ذات المرارة التى يتركها الواقع الأليم الذى نعيش فيه. فليرحم الله تلك الأجيال التى تخرج من أماكن مظلمة الى أخرى أشد عتمة. وكل نكسة و انتم بخير