الثلاثاء

ذكريات عطنة

هزيمة قديمة. تركت أثارا غائرة. أشعر بها عندما يتحدث أبى عن تلك الأيام. تركت احساسا بالمرارة يبدو أن الزمن غير قادر على محوها. أحسست بتلك النبرة الغريبة المليئة بالألم والذهول حتى بعد مرور أربعين عاما عندما ذكرنى أبى البارحة بأن غدا الخامس من يونيو. وأخذ يتحدث عن الشاب القطرى الذى ظهر فى قناة الجزيرة وسألوه عن النكسة. وأخذنا نضحك أنا وهو عندما قال لى أن الشاب رد بشىء من البلاهة بأنه لا يعرف ماهى النكسة و ان كانت هناك حرب أم لا!! ورغم مرور الزمن وتعاقب الأجيال لازالت الهزائم مستمرة. وتبخرت رائحة أجساد الشهداء. ذابت معانى الوطنية والتضحية. وأصبحت الآن تقبع فى متحف الذكريات. لماذا نشعر بالهزيمة؟ ولماذا تبتلى الأجيال بالهزائم الواحدة تلو الأخرى؟ لماذا ،وعلى الرغم من فظاعة ما حدث فى تلك الفترة، نشعر بأن هزيمتنا الآن أقسى وأبشع؟ ولماذا لم تعد تغضبنا تلك الهزائم؟ ولماذا تعودنا وألفنا هذا الأحساس المر؟
فقر. مرض. ذل. قهر. صمت مشين. خرس عام. حزن. حسرة. اختناق. انتحار. كفر بالقوميات وبالعروبة وبالأوطان. أسطورة الجيش الذى لا يقهر. الخوف. التناقض الكبير الذى نعيشه وحالة الشيزوفرينيا المتأصلة فى الوجدان والعقل والقلب والتى لايمكن انكارها ولا تجاوزها وهى أفدح من الأمل فى اصلاحها. فاسدون بلا عقاب ولا قصاص. ونزاهة ماتت على المشانق وفى الساحات العامة. وكلما زاد الأمل فى التغيير. وكلما أفاقت العقول على ضجيج تحسبه ثورة. نرجع صاغرين تجرنا أذيال الخيبة . ندوات. مظاهرات. هتاف. ضجيج. صراخ. ماذا فعلنا ازاء تلك الهزائم؟ لا شىء سوى الجعجعة الكاذبة لتسكين ألام الضمير المبرحة. بلوى من ضمن البلاوى التى أصيبنا بها. كلام دون أفعال. متى ستكشف الغمة؟ إلى متى سنظل سجناء؟ إلى متى سنرضى بالفتات؟ إلى متى سنقبل بكل تلك الهزائم التى تثير الاشمئزاز وتبعث على الأكتئاب؟
أعتقد أن الهزيمة القديمة لم تترك ذات المرارة التى يتركها الواقع الأليم الذى نعيش فيه. فليرحم الله تلك الأجيال التى تخرج من أماكن مظلمة الى أخرى أشد عتمة. وكل نكسة و انتم بخير

ليست هناك تعليقات: