أفكر فجأة: لماذا وصلت إلى هذة الدرجة من الكآبة ولماذا يجب أن يطلع عليها الجميع؟ لماذا أحمل الجميع همومى التى تبدو بالنسبة لآخرين تافهة؟ تنتابنى مشاعر مختلفة: غربة. دهشة. وشىء من الامبالاة. ما فائدة أن يطلع الجميع على فتات قلبى و انكسار وجدانى؟ فى أحيان كثيرة لا أفهم نفسى. أحاول جاهدة و لا أفلح. لماذا أحمل نفسى ما لا تطيقه؟ وأفكر أنى لم أكن كذلك. لم أكن تلك الفتاة الكئيبة، ثقيلة الظل، شاردة الذهن، مكسورة الفؤاد. أين اختفت نفسى القديمة؟ أعتقد أنها تفتت إلى صخور متناثرة على شط الأحزان. كل ما أومن به ينهار. أنا بكل ما أملك من معتقدات ومبادىء أنهار. أجد كل شىء متناقضا. أشعر أننى من كوكب آخر. و لا أزال أدافع عن تلك الأشياء و أزود عنها بكل بسالة لكن قريبا ستنهار مقاومتى. وتسقط نفسى ومعتقداتى و مبادئى ويذوب جسدى و يتبخر و يصبح جزءا من العوالق التى ضجت بها السماء. تذكرنى نفسى بأيام زمان. تدفعنى بالذهاب إلى أماكن محفورة فى الوجدان. لأستعيد و لو جزءا صغيرا من نفسى القديمة. أحاول الرجوع إلى طفولتى. أتذكر كل تلك البراءة والشفافية والقلب الخالى من الوجع و العقل الخالى من الأوهام. أتذكر الأندفاع، التحرر، صد أى قيود. أتذكر الثورة على القوالب.من بعيد أرى تلك الفتاة الناضجة المتشبثة بأذيال الطفولة. مستقرة فى عملى. أصبح حلمى يتحقق شيئا فشيئا. وعن كثب أستمع إلى نداءات نفسى بالبحث عن الحب الصادق ، أبحث عن ذلك الرجل الذى يغمرنى بالحب و الحنان و التفاهم. أبحث عمن يبعث قلبى من الموات فيزيل همى ويعلن عن بدء عصر جديد من الأفراح . أعرف أننى لابد أن أفيق.أن أبذل مجهودا مضاعف. أنتقل من خانة الكآبة إلى خانة السعادة. أقوم بثورة على نفسى الحالية. طالت جلستى أمام المرآة وقد اتضحت لى الصورة بالكامل. ألتمست العذر لها. انعكست عليها كل همومى. ولكنى حينما أمعنت النظر. وجدت أنها غسلت روحى ونقت وجدانى
تلك اللوحة الرائعة للفنان التشكيلى التونسى حسين مصدق