الاثنين

نفسى القديمة


أفكر فجأة: لماذا وصلت إلى هذة الدرجة من الكآبة ولماذا يجب أن يطلع عليها الجميع؟ لماذا أحمل الجميع همومى التى تبدو بالنسبة لآخرين تافهة؟ تنتابنى مشاعر مختلفة: غربة. دهشة. وشىء من الامبالاة. ما فائدة أن يطلع الجميع على فتات قلبى و انكسار وجدانى؟ فى أحيان كثيرة لا أفهم نفسى. أحاول جاهدة و لا أفلح. لماذا أحمل نفسى ما لا تطيقه؟ وأفكر أنى لم أكن كذلك. لم أكن تلك الفتاة الكئيبة، ثقيلة الظل، شاردة الذهن، مكسورة الفؤاد. أين اختفت نفسى القديمة؟ أعتقد أنها تفتت إلى صخور متناثرة على شط الأحزان. كل ما أومن به ينهار. أنا بكل ما أملك من معتقدات ومبادىء أنهار. أجد كل شىء متناقضا. أشعر أننى من كوكب آخر. و لا أزال أدافع عن تلك الأشياء و أزود عنها بكل بسالة لكن قريبا ستنهار مقاومتى. وتسقط نفسى ومعتقداتى و مبادئى ويذوب جسدى و يتبخر و يصبح جزءا من العوالق التى ضجت بها السماء. تذكرنى نفسى بأيام زمان. تدفعنى بالذهاب إلى أماكن محفورة فى الوجدان. لأستعيد و لو جزءا صغيرا من نفسى القديمة. أحاول الرجوع إلى طفولتى. أتذكر كل تلك البراءة والشفافية والقلب الخالى من الوجع و العقل الخالى من الأوهام. أتذكر الأندفاع، التحرر، صد أى قيود. أتذكر الثورة على القوالب.من بعيد أرى تلك الفتاة الناضجة المتشبثة بأذيال الطفولة. مستقرة فى عملى. أصبح حلمى يتحقق شيئا فشيئا. وعن كثب أستمع إلى نداءات نفسى بالبحث عن الحب الصادق ، أبحث عن ذلك الرجل الذى يغمرنى بالحب و الحنان و التفاهم. أبحث عمن يبعث قلبى من الموات فيزيل همى ويعلن عن بدء عصر جديد من الأفراح . أعرف أننى لابد أن أفيق.أن أبذل مجهودا مضاعف. أنتقل من خانة الكآبة إلى خانة السعادة. أقوم بثورة على نفسى الحالية. طالت جلستى أمام المرآة وقد اتضحت لى الصورة بالكامل. ألتمست العذر لها. انعكست عليها كل همومى. ولكنى حينما أمعنت النظر. وجدت أنها غسلت روحى ونقت وجدانى
تلك اللوحة الرائعة للفنان التشكيلى التونسى حسين مصدق

الجمعة

سلمى بماذا تفكرين؟

سلمى أختى الحبيبة لا أجد كلاما أكثر حلاوة و رقة من تلك السطور البديعة أهديها اليك يا أجمل البنات
السحــــــب تركض في الفضاء الرحب ركض الخائفين
والشمــــــــــــــــــس تـــــــــــبـــــــدو خلفها صفراء عاصبة الجبين
والبحـــــــــــــــــــــر ساجٍ صامـــــــــــــــــتٌ فيه خشوع الزاهدين
لكنما عـــــــــيناك باهتتان في الأفـــــــــــــــــــــق البعـــــــــــــيد
سلمى ...بماذا تفكرين؟
سلمى ...بماذا تحلميـــــــن؟
أرأيت أحلام الطفــــــــــــــــــــولة تختفي خلف التخوم؟
أم أبصرتْ عيناك أشــــــــــــــــباح الكهولة في الغيوم؟
أم خفتْ أن يأتي الدُّجى الجـــــــــــاني ولا تأتي النجوم؟
أنا لا أرى ما تلمـــــــــحـــــــــــــــــــــين من المــشــــاهد إنما
أظلالـــــها في ناظريك تنم ، يا ســـلمى ، عليك
إني أراك كســــــــــــــــــائحٍ في القفر ضل عن الطريق
يرجو صديقاً في الفـــــــــــلاة ، وأين في القفر الصديق
يهوى البروق وضــــــــوءها ، ويـــــــــــــخاف تخدعهُ البروق
بــــلْ أنت أعظم حـــــــــــــــــيرة من فــــــارسٍ تحت القتام
لا يستطيع الانتــــصارولا يطيق الانــــــكسار
هــــــذي الهواجـــــــس لم تكن مرســــــــومة في مقلتيك
فلقـــــد رأيـــتـــك في الضــــحى ورأيته في وجـــــنتيك
لكن وجــــــدتُك في المساء وضـــــعت رأسك في يديك
وجـــــــلست في عــــــينيك ألغازٌ ، وفي النفــس اكتئاب
مــــثل اكتئاب العاشقين
ســلمى ...بماذا تفكرين
بالأرض كيف هـــــــوت عروش النور عن هضباتها؟
أم بالمـــــــــروج الخُضرِ ســــــاد الصمت في جنباتها؟
أم بالعــــــصـــــافــــــــــــير التي تعـــــدو إلى وكناتها؟
أم بالمـــــــسا؟ إن المســــــــــــــا يخفي المدائن كالقرى
والكوخ كالقصر المكين
ْوالشـوكُ مــــــــــــــــــــــثلُ الياسمين
لا فــــــــرقعــــــــــند الليل بين النهــــــــــر والمستنقع
يخفي ابتسامات الطـــــــــــــــروب كأدمع المـــــــتوجعِإن
الجـــــــــمالَ يغـــــــيبُ مـــــــــــــــــثل القبح تحت البرقع
ِلكن لماذا تجـزعـــين على النهار وللدجى أحـــــــــــلامه ورغائبه
وســـــــماؤُهُ وكواكبهْ؟

إن كان قد ســــــــــــــــــتر البلاد سهـــــولها ووعورها
لم يسلـــــــــــــب الزهر الأريج ولا المياه خـــــــريرها
كلا ، ولا منعَ النســــــــــــــــــــائم في الفضاءِ مسيرُهَا
ما زال في الــــوَرَقِ الحفــــيفُ وفي الصَّبَا أنفــــــاسُها
والعــــــــندليب صداحُه
لا ظفـــــــــــرُهُ وجناحهُ

فاصغي إلى صـــــــــوت الجداول جارياتٍ في السفوح
واســــــتنشـــــــــقي الأزهار في الجنات مادامت تفوح
وتمتعي بالشــــــــــــــهـــــب في الأفلاك مادامتْ تلوح
من قــــــبل أن يأتي زمان كالضـــــــــــــباب أو الدخان
لا تبصرين به الغــدير ولا يلـــــــذُّ لك الخريرْ

مـــات النهار ابن الصباح فلا تقـــــــــــــــولي كيف مات
إن التــــــــــــــــأمل في الحــــــــــياة يزيد إيمـــــــــــــان الفتاة
فدعي الكآبة والأسى واســـــــــــــــــترجعي مرح الفتاة
ْقد كان وجهك في الضحى مثل الضحى متهـــــــــــــللا
ًفيه البشـــــاشة والبهاءْ
ليكن كــذلك في المساءْ
إليا أبو ماضى

الثلاثاء

خرشوف


زوجة شابة. تستيقظ مبكرا. لا تريد أن توقظه. تتوق إلى قضاء بعض الوقت وحيدة. تنظر فى المرآة الباهتة. بها شرخ خفيف. يظهر وجهها منبعجا. تدخل البلكونة. نسيم الصباح الطازج. تستنشق قدر المستطاع. الليل لازال يصارع النهار فتظهر خطوط حمراء خفيفة ممزوجة بالزرقة المدهشة. زقزقات العصافير. تعلن عن بداية يوم جديد. لكنه يوم ككل يوم. لا فارق. يجلس على الكنبة. يتأملها من بعيد. ثم ينادى عليها و يبتسم: صباح الخير. ترد عليه. تمضى فترة من الصمت الجليل. يحاول كل منهم قول أى شىء. ثم تنشغل بالأعمال المنزلية. يتجول فى المنزل بلا هدف. اليوم اجازة. يدخل لينام مرة أخرى. يستيقظ. يسألها إن كان أحد سأل عنه وهو نائم. لم يتصل أحد. تسأله ماذا يريد أن يأكل. أى شىء. يرد بشىء من الامبالاة. تحضر أى شىء. وضعت الطعام على السفرة. تنادى عليه. ينظر إلى الطعام
يقول: ما هذا؟ أنا لا أحب الخرشوف
تقول: أنت تفعل هذا كل مرة
ينظر لها بدهشة
تقول: أنا مش سألتك عايز تاكل ايه ورديت وقلت أى حاجة. فأنا عملت أى حاجة
يطرق. يشعل سيجارة. يقوم من على السفرة. لم يأكل شيئا. تلعب فى خصلات شعرها بنوع من العصبية. لم تأكل هى الأخرى. يقول بأن كلامه لم يكن نوعا من الغضب أو أنه يريد مضايقتها لكن لأن الحقيقة هى أنه لا يحب فعلا الخرشوف
قالت: لكن أنت قلت أى حاجة
قال: كان ممكن تسألينى أكله ولا لأ

تنسحب بهدوء. حاولت أن تكون هادئة هذة المرة. نجحت. لا تريد أن تفقد أثر الصباح. انسدل شعرها الناعم متحررا على كتفها. نظرت اليه ثم استدرات. فى عينها دموع حبيسة. الظلمة ستحل قريبا. فى الظلمة تتراءى للعين أشياء لا يراها فى النهار شديد الوضوح. ورغم مفعول الصباح الباهر تراكم الأسى، كومة فوق الأخرى. تجلس على الكنبة. تسترخى قليلا. تمسح دمعات هربت وتسللت من عينيها.يمر بعض الوقت. يجلس بجانبها. يحاول أن يلمس خصلات شعرها. يتراجع. يضع رأسه على كتفها. يسمع دقات قلبها. يغوص فى صوتها الانهائى. يتطلع إليها بشىء من الندم. ثم يختفى فى حضنها الدافىء

الاثنين

دروشة

زهور أمام صورة الكوري المقتول

الخوف يتملك عائلات وأقارب المختطفين الكوريين الجنوبيين في أفغانستان

لا تعليق

مشهد 1
يفتح التليفزيون. تطالعه بعض الوجوه الخائفة المتعبة. عيون ضيقة. أفواه تطلق استغاثات. مختطفون. مأساة حقيقية. وملثمون يقال أنهم مسلمون (هل هم حقا؟) . يحملون أسلحة، مسدسات و رشاشات يصوبونها نحو مجموعة. رجال و نساء وقعوا فى براثن الأختطاف ومستنقع الجهل. والسلطات هناك اما توافق هذة الحركة البعيدة كل البعد عن قيم الاسلام وتفرج عن معتقليهم فتكثر الاختطافات أو أنها ترفض فيتعرضون للقتل.
نساء تبكى ورجال كسرهم الألم
مشهد 2
يطل الرجل مشدوها مأخوذا للحظات. يتنقل بين القنوات. نفس الخبر. نفس الوجوه. نفس العيون المنكسرة والملثمون ذاتهم. هؤلاء الذين يعلنون أنهم يحملون راية الجهاد الزائفة المقنعة بالمصالح ويقنعون أنفسهم بأنهم لازالوا على درب الأولين. نفس الاستغاثات و نفس النداءات. ووفود تروح وتجىء. ودول تتوسط. و تمر الأيام. وتختفى نقطة النور. يفتح الثلاجة. يأخذ جرعات كبيرة من المياه. يتأثر بتلك المشاهد. يفكرفيما سيفعل ازاء هذا الوضع. يتطلع إلى قرص الشمس الدامى. وقت الغروب. صراع النهاروالليل. دون منتصر. والسحب مخضبة بلون أحمر قانى مع مزيج من ألوان أخرى. اللون الأحمر يطغى على كل شىء. شاشة التليفزيون والسماء. يغلق الجهاز و يتمدد قليلا

مشهد 3
يفتح التليفزيون مرة أخرى. نفس الأخبار. يهرب من الخبر المؤلم. لكن لا مفر. يتجول بين القنوات الأخرى. وماذا سأفعل لهؤلاء المختطفين؟ أنا لا أملك من الأمر شيئ. أنا نكرة فى بلادى. مهمش. مغيب. ذليل. كفرنى الجوع والفقر. يفكر: بعض الترفيه لا يضر. كفانا وخز ضمير. هل يقتنع العالم بأن ما يحدث ليس من أخلاق الأسلام؟
قناة أخرى. لمزيد من التغييب ولمزيد من قتل الضمير بنداءاته السخفية، المثيرة للشفقة. قتل الذات والروح. قناة تصيب بحالة من حالات الدروشة. يظهر على الشاشة بعض الفتيات. يتمايلن بشكل غريب. كالناس فى الموالد. يترنحون يمينا و شمالا داخل حلقة الحضرة. ومازال الجميع يتطوح.. حتى الاغماء
(ما يحدث الآن يستحق منا بعض التحرك كما فعلنا وقت اساءة الدنمارك لسيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم)