السبت

وجوه الخلق






فى كل مرة أهم بالذهاب الى العمل، لا أعرف لما تنتابنى رغبة ملحة بالابتعاد عن الشارع.. لما أصبحت وجوه الخلق متعبة هكذا؟ اختفت الابتسامة من على الوجوه و أصبح كل شىء فى الحياة يغلب عليه السواد.. و عندما أتلفت حولى أجد تارة أناس متجهمون.. و تارة مقطبون.. و تارة يتجادلون و تعلو أصواتهم بالصياح و ينتهى الأمر بخناقة كبيرة.. و على الجانب الآخر أناس أكل الهم أجسادهم و أصيبت قلوبهم بجروح عميقة وغائرة.. و عندما أقرر النزول و أركب المترو ، عذاب يومى يضيفه الأنسان الى سلسلة عذاباته اليومية، أختنق من كثرة الناس و أشعر أنى أريد إبادتهم أو إبعادهم عن القاهرة، المملوءة بالزحام و الأوجاع

و أشد ما يصيبنى بالأختناق هو أحاديث الناس التى تنم بصورة أو بأخرى عن يأس شديد و استسلام و هوان أو أحاديث عن النساء و الرجال و الزواج تلك الأحاديث البالية المملة.. أشعر بالعجز الشديد ازاء احاديث كهذة.. لماذا ارتضينا بشراء قوتنا و سلامتنا بالخضوع و الذل و الهوان؟ سؤال لا يفتؤ يتركنى.. يطاردنى فى صحوى و منامى.. أضيق أحيانا بمتاعب الناس بل و أشعر بأنى أقسو عليهم، فهم تركوا أنفسهم ليكونوا ورقة تذروها الرياح فلا تماسك و لا بنيان.. ما جدوى الحياة فى وطن تشعر فيه أنك ممزق و مهان؟ أم أن الأرض ضاقت علينا بما رحبت؟ و لماذا لا تقوم لنا قائمة؟ أما زال فى الجسد الواهن أمل؟ و يسير الوقت بطيئا حتى أكاد أحس بأن عقارب الساعة لا تتحرك.. و أنظر الى الأعداد الهائلة من البشر و أرى باعة و متسولين و أناس شرفاء ذلوا بعدما عزوا.. يمدون الأيدى مطأطئين الرأس من شدة الخجل و شعور بالعار يلفهم ، فلم يجدوا بدا من ممارسة أحقر الأعمال.. و أرى صغارا فأشفق عليهم من ظلام مستقبلهم.. كثرت أعدادنا فازداد فقرنا و ازددنا بؤسا و شقاءا و ذلا و هوانا و خنوعا و خضوعا و استسلام..وتجد أناس ترفع الأكف إلى الله تشتكى إليه بؤس الحال و قصر ذات اليد و امتلاك ضمير فى زمن عزت فيه الخصال الحسنة.. يار ب لما تركتنا تحت رحمة من لا رحمة له؟ أتعجب من هذة البجاحة.. أيغير الله قوما لا يريدون تغيير أنفسهم؟ و أريد الالتفات لأقول لهم : إن الله لا يظلم أحدا.. بل أفيقوا من سباتكم الطويل لعل الله يأتى لكم بما تريدون.. و تأتى المحطة التى سأنزل فيها و أحمد الرب على ضبط النفس و كظم الغيظ من أناس لم يفلحوا فى شىء الا الشكوى و الترحم على الماضى الجميل فهم يلعنون و يسبون وعندما تأتى اللحظة الحاسمة أو تبدو أى بادرة أمل فى الأفق المظلم يتراجعون خوفا على العيال و الرزق.. لو أنكم تؤمنون حقا لعلمتم أن الرزق بيد الله و أن شجرة الحرية لابد و ان تروى بدماء التضحية .. و أنه لا عيش هنيىء للجبناء.. نعم نحن جبناء.. أرجع بالذاكرة الى أيام البطولات.. ايام الشجاعة و الإرادة و الإباء .. أيام من ضحوا بحياتهم دون التفكير فى الرزق والعيال لإيمانهم العميق بقضيتهم.. أيام الشهداء و الأبرار رموز الفداء و العطاء و الإيثار.. و ما هذا ترحما بل استحضارا لهذة الرموز و هذة القيم التى أصبحت الآن قابعة فى متحف النفس.. و أركب مرة أخرى لأصل إلى العمل بأقصى سرعة ممكنة فى أزحم بلاد الله.. و أود لو أملك جرافة أقتلع بها الناس من الجذور و ألقى بهم جانبا.. كم أتوق الى الهدوء و صفاء النفس و السكون.. وعندما أصل أخيرا إلى العمل أشعر بالأعياء.. و أحس بتأنيب الضمير على أفكارى العدوانية تجاة هؤلاء الناس المساكين فهم لا يستحقون منى إلا الشفقة

و لا أعرف لما أشعر بالسأم و الملل و الكآبة تنضح على عندما أصل إلى عملى.. أشعر بأن أحدهم سيهم بالفتك بى.. و لا مناص من عيون تراقب و لا مفر من أناس كرسوا حياتهم لمعرفة ما يدور فى حياة الآخرين يحشرون أنوفهم فيما يعنيهم و فيما لا يعنيهم.. أشعر بأن أوراق عمرى تتبعثر و أن أوراق روحى تتساقط .. أشعر بأنى فى خريف العمرو قد تركت الشيبة فى داخلى أثارا لن يمحوها الزمن بسهولة.. أضع القناع و أحاول اصطناع البسمات و فى داخلى شعور بالفشل و لكن على ما يبدو ينجح الأمر و يصدق من حولى بمدى السعادة التى أنا فيها.. فلا هموم ولا منغصات.. و يمر اليوم مثل سابقيه برتابة و ملل.. حتى أبدأ طريق العودة إلى المنزل أو الذهاب لأحدى الصديقات.. أشعر بأنى حمار لديه مهمات لا يستطيع الفرار منها فهو غير قادر على التعبير أو حتى مجرد اظهار آلامه.. يئن فى صمت و لا يقوى على البوح.. أشعر بأغلال و قيود تسلسلنى من كل جانب.. مجتمع مريض مغلوب على أمره مكبل هو الآخر بأحقر القيود.. رجال ملوا من الكبت و الحرمان فراحوا يطلقون شرارهم و شرورهم على البنات كأنهم مغيبى العقل.. و أناس وقعوا فى براثن الخرافات و قراءة الكف و فتح المندل و التبرك بالأولياء و الأشجار.. كأنهم ما عرفوا ربا وما تنزلت عليهم رسل ولا أنبياء.. ضاقوا بحالهم فلجأوا الى الخرافات.. و شغلوا أنفسهم بالتفاهات.. أشعر بالخوف من أن يصيبنى انفصام الشخصية و اضطراب السلوك الذى أصاب معظم الناس إلا من رحم ربى.. فتجد أشخاصا يرتكبون الفواحش و الموبقات و يدخلون المساجد للصلاة بكل ثقة كأنهم لم يفعلوا شيئا قط.. و أناس آخرون يصلون و يزكون و يصومون و يكفرون أيضا.. تجد الخلاعة و التقوى فى مكان واحد.. هل هذا معقول؟

و تجدا أناسا يتشدقون بالحرية و الديموقراطية فلا تجد لا حرية ولا ديموقراطية و لا شىء على الاطلاق.. بل قمع و تنكيل حتى فى بيوتهم.. فترى الواحد منهم يقهر بناته و يتسلط عليهم لا خروج و لا تأخير و لا كلام فى التليفون كأنهن دخلن فى الرهبانية الجبرية و يلعنون الزمن الذى آتاهم بالبنات ، وجع القلب.. وعلى الجانب الآخر ترى الحرية يتمتع بها الذكور و تعطى لهم كل الصلاحيات لأنه من وجهة نظره رجل و الرجل يفعل ما يحلو له..فتنشأ العقد و يصاب نصف المجتمع بجميع الأمراض النفسية و تنشأ أجيال على قلة الحيلة و انعدام الاختيارو التذبذب.. وأتسآل متى سنتخلص من كل هذة العادات البالية و التقاليد الواهية التى وضعناها بأنفسنا لمزيد من التنكيل و الإمعان فى الفتك بالذات؟؟

أصل إلى البيت بوجه شاحب مليىء بالوهن و التعب .. أرغب فى الهدوء و لو للحظة.. أشعر بأنى فقدت القدرة على الكلام فأنظر إلى والداى و أرمى عليهم السلام و يسألوننى السؤال المعتاد: كيف كان يومك؟ و أجيب الاجابة المعتادة: عادى لا جديد.. لتستمر الحياة هكذا و لفترة لا أعرف ان كانت طويلة أم لا.. فيزداد مع كل يوم جديد شعورى بالوحدة و العجز حتى يصبح قلبى و عقلى فراغ .. وحتى يشيب البدن المتعب.. فيصبح أكثر تعبا و تهالكا و أموت دون تحقيق أى هدف لى فى هذة الحياة.. فما جدوى الحياة من الأساس؟؟

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

this article toched me so much and i am speechless .rabene yewfa2ek.
salooma