الجمعة

واقع فتاة



-أ-

هى تنظر حولها فى استغراب. تلتقط أنفها روائح مختلطة. تعبث فى شعرها. تحاول أن تتغلب على خجلها. أناس يتحدثون. و آخرون يقرأون. و بعضهم يتجادلون. تعلو الأصوات تارة ثم تخفت لتتحقق لحظة من الصمت الجليل. صمت أشبه بدقيقة الحداد. ما يلبث أن يتغير فى أقل من ثانية. تضع يدها على خدها لتتأما هذة السيمفونية البشرية فى شكلها الأكثر تعقيدا. تسمع نبضات كفها. تتابع بشغف تلك السيمفونية الإلهية البديعة. دم يتدفق. أذين و بطين. و نبضات تعلو و تخفت فى إجلال. تجلس فى هذا المقهى بمفردها دائما. شخص يدفع الباب بشدة و يدخل المقهى . يدخل عليها لاهثا و يقول أسف على التأخير. تعاتبه بشدة على تأخيره. يكرر أسفه مرات عدة. يتبادلان الحديث و يضحكان. يفكران فى المستقبل المشرق. حياتهما مليئة بالطموحات. يدفع الحساب. يخرجان سويا. تودعه. يذكرها بلقاء الغد. تقول له لا تتأخر. يبتسم. تبتسم. اعتادت الوحدة منذ فترة. لم يعد يؤثر فيها شىء. فى بادىء الأمر نظر الناس لها بريبة و استغراب. تحاول الهاء نفسها. توارى خجلها بأى طريقة. كان الأمر صعبا ثم ما لبث أن تعودت. تمرنت على التجاهل و الامبالاة. لم يعد قلبها يخفق مثل السابق خوفا أو خجلا. ألف الناس جلستها بمفردها. لم تعد تهتم


-ب-

تذهب إلى المكان ذاته. تتفحص الوجوه. و بعد فترة تختلط عليها. لم يعد شىء يهم بعد الآن. كل شىء فى الكون يعلو و يهبط يخفت و يسكن. حتى المشاعر تصل الى أوجها وفجأة تنهار و تسقط. فلا مشاعر و لا أحاسيس. تطلب المشروب ذاته. أناس فى الداخل و الخارج. تنصت إلى وقع أقدامهم. ايقاع بديع و منظم. تشم روائح عطرة.سألها اذا كانت تحب السفر. لم تكن تحب التنقل أو التغيير. تحب بيتها. للبيت رائحة خاصة. أنواره باهتة. صالون مريح. ألوان هادئة. يربت على كتفها. هى صامتة. يسألها: مالك؟ لا تعرف ماذا جرى لها اليوم. تشعر بأنها غريبة. تميل الى الصمت أكثر من الكلام. هو مازال يتكلم. وهى تزداد صمتا. تتكلم عندما يذكرها بأول يوم التقيا فيه. ما أجمل هذا اليوم.تتذكره بتفصيلاته. نشوة الكون. وفرح يغمر القلب الحزين قبل اللقيا. سماء صافية. عصافير تغرد. أناس يبتسمون. يميل عليها و يهمس فى أذنها قائلا: أحبك. هى تحبه كثيرا. لم تجد غيره لتحبه. تعودت على وجوده. تمل منه أحيانا. يفترقا على وعد باللقيا بعد غد. يتشاجر بعض الأشخاص فى الطاولة المجاورة لها. صراخ أطفال. أصوات عالية تحمل شجون و آلام. حتى الصراخ والصياح سيمفونية بديعة. كل شىء منظم و مرتب. يسألها النادل إذا كانت تحتاج الى شىء آخر. ألف الجميع وجودها. عندما تتغيب يوما يسأل الجميع عنها. أصبحت مشهورة. لا تكترث


-ج-

تتأمل المقهى من حولها. نوافذ زجاجية كبيرة. طاولات خشبية. مزيج من الألوان البنية و البرتقالية. تتطلع الى السقف. يشبه أسقف المساجد بألوانها المتداخلة. نقوش بديعة. تتفاعل مع النفس لـاخذك الى عالم السحر و الجمال. مصباح كبير يتدلى من السقف. تتحد فيع النقوش مع الألوان فى تناغم بديع. كل شىء فى نظام و ترتيب. النظام يطغى على كل شىء فى الكون. ذهبا سويا الى القلعة. مكان يحتضن الماضى و يمتزج بالحاضر. يدخلان معا مسجد محمد على. يتأملا السقف البديع بنجفته المتدلية فى خشوع. ألوان ممتزجة دون تعقيد. كل شىء ينضح بالبساطة و الدقة و الاتقان. كل شىء موضوع فى مكانه الذى خلق له. أرضية المسجد مفروشة بالسجاد الأحمر. منبر خشبى رائع. تسمع أصوات همس ندية. و روائح تملأ المكان. تملأ الوجدان بالرضا. خرجا وهم يرددان معا: الله ما أجمل هذا المكان. عائلة تجلس على الطاولة المجاورة لها. يهمس الأب فى أذن ابنه بشىء. تتعالى ضحكاتهما. تخشى الضحك أحيانا. تتذكر أنها ضحكت مرة حتى دمعت عيناها. فتمتمت على الفور: اللهم اجعله خير. تعرف أن الأوقات السعيدة تتبعها أخرى سيئة. سمعت أمها تقول هذا. ومنذ ذلك اليوم ترسخ لديها هذا الاعتقاد. أصبحت تخشى الأوقات السعيدة. لم يعد هذا يهم الآن.


-د-

تتمشى قليلا. تتأمل حركة الكون و الخلق. الحزن مرتسم على وجوه الخلق المتعبة. تشعر أحيانا بخفة جسدها. أصوات منشدين تتردد فى كل مكان. تشعر بنسمات تصوف دافئة. لكن أصوات صراخ فزعتها وهزت قلبها المرتعش. تقرأ فى الحديقة. تسمع زقزقات الطيور. تشم رائحة الزهور الرائعة. نور السماء يخفت تدريجيا. و أجواء الغروب تغمر المكان بلون داكن يبعث فى النفس الأمل رغم سمرته. يربت على كتفها. تفزع بشدة. تنهره. تعاتبه بشدة: لا تفعل هذا مرة أخرى. يمتثل لها فى الحال. كان مصابا بحالة من الطاعة الشديدة. طاعة أرضت غرورها. تستريح قليلا من أثر الفزع. تتأمل الناس من حولها. وجوه غاضبة. وجوه حزينة. وجوه متجهمة. وجوه ارتسمت عليها المعاناة تاركة ندبات لا يقوى الزمن على محوها. تتأمل حالها أيضا. كل يشعر بالوحدة و الضجر. تجلس صامتة. يتعجب من هدوئها. يسألها: انت فى ايه النهاردة؟ مالك عاملة كده ليه؟ ترد بفتور: لا شىء. أبدا. بعد فترة من الصمت تخبره أنها تشعر بأنها ستنتهى وحيدة فى هذة الدنيا. يتعجب من قولها. يسألها: و أنا رحت فين؟ كأنها لم تسمعه. تكلمت عن خوفها من أن يتركها. وعن شعورها بالملل و السأم. أخذ يتأملها فى هدوء و ارتسمت ابتسامة على وجهه النحيل. قبلها على جبينها. طمأنها. اطمأنت للحظة ثم عادت الهواجس تنهش فى قلبها. أصبحت تعيش فى حالة من الترقب. عصبية و حادة المزاج. و أيضا نكدة. احتملها و صبر عليها فى أول الأمر. لم تفلح مجهوداته فى اقناعها بأنه يحبها و لن يتركها أبدا. مر الوقت طويلا و ثقيلا. كانا يتقابلا كل يوم. اتسعت الفجوة بينهما. تقابلا مرتين فى الأسبوع. اتسعت الفجوة أكثر. حتى مل منها و سأمت منه ومن خوفها. لا سبيل الى التراجع. تتحدث معه وهو معها و ليس معها. حطم الخوف كل شىء. زلزل الشخصين و ترك فراغا كبيرا من الصعب رتقه. دمر معه المشاعر والأحاسيس. ضاع الحب. تمشى بخطى متثاقلة الى البيت. تدخل فى هدوء كى لا توقظ أحدا. تسمع نقر المطر على الزجاج. تنظر الى السماء بجزع. تغلق النافذة. يغشى السكون المكان. وتتلون الحجرة بألوان داكنة. ترقد فى سريرها و تحكم الغطاء عليها. تغط فى سبات عميق.

هناك ٣ تعليقات:

غير معرف يقول...

hay there saso,
i didnt know you could write like that, i am surprised. its really good how you capture the internal world of people , the things that go indside and no one can really see, it is something i like doing myself, in my writings i mean, so i guess we do have a lot in commen here ;)..

go on , its nice breathing out for a change right?!!!

waiting for more of your stuff.

Pony

saso يقول...

thanx dear for your support. glad that we have a lot in commen:)
promise to write more
thanx:)

غير معرف يقول...

it is very good story so3 i liked it very much.hope u wirte more and more i wish u luck.:)
salooma