السبت

فليذهب الضعفاء إلى الجحيم

-أ-
جو حار. حرارة تهلك الأبدان. وتصيب الأرواح بالسقم. وجوه أصابتها البلادة. أناس يتحدثون إلى بعضهم البعض. بأهتمام وتركيز. يخيل إليك هذا. لكن أشعر أنهم لا يسمعون. بعض الطلبة يضحكون. ينظر إليهم الجميع على أنهم كائنات غريبة. وعلى وجوههم تعبير:على ماذا تضحكون؟ لم تنل الحياة و الهموم منهم بعد. أتابع كل هذا. أجلس وسط هذا الوجوم. وكل هذة البلادة. عيون كليلة. زادت حولها الخطوط والدوائر. من كثرة العمل والحزن. الوجوه تنضح بالتعاسة. التى لا مفر منها ولا مهرب. جو مليىء بالأختناق. من كثرة العدد و تعدد أسباب الحزن و الآسى. تهون على مصيبتى. وسط كل هذا الزخم الكبير من المآسى. أطرق للحظة. أتنهد. ثم أغمض عينى. وأنام

-ب-
أصل إلى بيتى. أشعر بحرقة فى بدنى. لا أقوى على الصعود. أتخيل البيت عملاقا سينقض على. يأمرنى بالصعود. فأذعن فى ضراعة وذل. أرى أشباح من بعيد. يضحكون على ويقولون: مش قلنا لك لا تنزلى النهاردة. ألقى عليهم السلام. أسمع ردهم يأتى من بعيد. أدخل عالمى الخاص: حجرتى. ألقى بجثتى المنهكة على السرير والعرق يتساقط. أشعر بالعطش. لم أعد أقوى على الحركة. ينفجر أبى ضاحكا. حتى تدمع عيناه. يضحك الجميع أيضا. السعادة تملأ أجواء البيت أخيرا. أوقات السعادة قليلة وثمينة. ليتهم يضحكون إلى الأبد. أفكر فيما حدث لى. أحاول مقاومة العقل. لكن لا مفر. فشل فى العمل والعاطفة وفى الحياة كلها. حتى الوطن لا ينصف أحدا. عندما يصبح وطنك قبر تلقى فيه العذابات و يضيق عليك أكثر و أكثر. غابت نسمات الحرية وغابت الوسائل المساعدة للحفاظ على الكرامة. أى كرامة تتحدثين عنها؟ أشعر بضمة الوطن القاسية. أناس يكرهون بعضهم البعض. والكل يجرى وراء هدف واحد: جمع الأموال بالطرق المشروعة أو بغيرها. حتى عندما تشعر بأنك على وشك فقدان وظيفتك. وعندما تشعر ، فى الوقت ذاته، ان وظيفتك هى طوق النجاة المتبقى لديك. أتحرك كالثور الهائج. حتى تخور قواى و أسقط من شدة الإعياء. لم يعد هناك شيىء ينصفنى فى هذة الحياة. تتزاحم الأفكار وتصر على الصعود إصرارا. أكتم صرخة داخل نفسى. لازال البركان خامدا حتى الآن. أستسلم للحظة السكون. وزقزقة العصافير. وغناء الطبيعة المتفرد وموسيقاها الثائرة التى تغوى البشر جميعا على الثورة و الإنقضاض. و أنام

-ج-
أقوم مفزوعة. لم أغير ملابسى بعد. أشعر بنسمات باردة تداعب خدى الساخن بكل حنان. اختراع معقد و بسيط فى الوقت ذاته أسعد البشرية جمعاء. أحمد الله على وجود واحد منه فى البيت: التكيف. حقا انه يكيف الأبدان و يشعرها بالخفة و بالقدرة على الانطلاق مخلفة البلادة والوجوم ورائها. نعم الله كثيرة توجب الشكر و الحمد. ولكن. لا شكر و لا حمد. أفكر فى الآخرين ممن قلت حظوظهم وكثرت مآسيهم. أفكر فيمن نهش الفقر جسده. و أعيته الأسقام والأوجاع. وآخرون لم ينصفهم الوطن. وغيبتهم الشعارات الجوفاء الطنانة. أذهب الماضى - الجميل من وجهة نظرهم- عقولهم. وأصبحوا صما و بكما وعميانا. بالكاد يسدون رمقهم. و أنا أشعر بالمعاناة. أى معاناة يا فتاة!! أتذكر قول سيدنا على- كرم الله وجهه- لو كان الفقر رجلا لقتلته. نعم لقتلناه جميعا و أعددنا له العدة للقضاء عليه. وآخرون أصابهم الوطن بالسموم فأعيت أبدانهم و ألقتهم على فراش المرض فى انتظار الموت الجائع بكل ذل. قمح مسرطن. فاكهة مليئة بالمبيدات . والفقير يشترى. والغنى يمتنع. الفقراء لهم سلعة. والأغنياء لهم سلع أخرى -أورجانيك- وتسمع مغرضين يقولون: الفقراء ينتظرون الفرصة لينهشوا لحم الأغنياء. الفقراء يملؤهم الحقد والبغضاء. لا أعرف كيف تنامون ليلا بمنتهى السهولة؟ كيف تريحون ضمائركم؟ و أنتم تكيلون التهم وتقذفون بها الآخرين وتتفوهون بالأكاذيب و تدافعون عن النفاق و الفساد؟ و أسلم جسدى إلى النوم مرة أخرى. أهرب داخل نفسى. لعلى أجد الصفاء والسكينة. فلا أجد إلا سواد. أتوه فى الفراغ و تتكحل دموعى بالسواد. و أنام

-د-
أفوق قليلا. أسمع أغنية محمد منير" الحب زى الطيور". أردد معه "لازم يعيش فى النور". نعم فالخفاء والظلام يبعثان على الشعور بالذنب. ويشعران الإنسان بقسوة المعصية وأثرها شديد السواد على النفس. اتذكر ما حدث لى. فأهرب من هذا النفق المظلم إلى أنفاق النفس الأقل ظلمة. لا أحد يستحق البكاء. ولا تستحق النفس- فى الوقت ذاته- كل هذا الرثاء. فكفى جلدا للذات. أمعن فيما يحدث لأبناء الوطن. تضييق. تنكيل. وعذابات تلو الأخرى. أمراض مستعصية. وما من فرصة لتستقيم بها الحياة. أى وطن هذا الذى نعيش فيه! ونتقبل الاهانة والذل بالصمت المخزى. ونجرى وراء لقمة العيش لنشترى به عيشا يقتلنا. ولاحراك. أما آن الأوان لنأخذ خطوة إلى الأمام؟ لنبدأ بتغيير أنفسنا؟ لماذا لم نعد نتوق إلى العيش بأنسانية وكرامة؟ ضاعت فينا ملامح الإنسانية. وأصبحنا جنسا آخر. لسنا من البشر ولسنا من الحيوانات. فما نحن إذن؟ أتذكر أبيات لنجيب سرور

أعطوا لقيصر ما لقيصر

وللإله

ما للإله

فما الذى تعطى لنا؟

ماذا تبقى عندكم؟

لم يبق شىء

فاهنأوا.. طوبى لكم
أمشى بخطى متثاقلة. لم تعد الأرجل تقوى على حمل البدن المثقل بالهموم. و بالغم. نسمات الفجرالندية تمحو أفكار الأمس المغرضة وهموم الماضى المشين. أتطلع إلى السماء بحمرتها الخفيفة. والليل تلقى طعنات النهار فى هدوء و إجلال. دون أدنى مقاومة. مثلما نفعل جميعا. وأعلن النهار عن انتصاره. وبزوغ الشمس بهالتها الدموية. وتبدأ موسيقى الطبيعة الصاخبة لتعلن عن يوم جديد. رغم أنف الجميع. كم أتوق الى التغيير. وإلا فأتمنى للجميع مزيد من التردى والبؤس والذل. و لتذهبوا جميعا إلى الجحيم أيها الضعفاء
الحب حرية، الحب حرية، والقلب لو يتقتل أبدا ملوش دية
محمد منير

ليست هناك تعليقات: