الجمعة

أسياد وعبيد


-أ-
شاب وسيم. طويل. ملامحه تنوء بالعز. يمشى متمايلا. مختالا. تظهر عليه بعض أعراض النرجسية. نظارته الشمسية تزيد من غموضه. يأمر و ينهى. ما أقسى حكم النفس على النفس. يتعامل بوحشية مع من هم أقل منه. كأن الفقر معرة و جريمة لا تغتفر. ترسخت لديه عقد أسرية و مجتمعية. عقد زادت من قسوته وسوء معاملته. ينظر نظرة دونية الى الجميع حتى أقرب الناس اليه. كأنه الملك الاله. فالجمهور عنده و الفقراء على وجه الخصوص حيوانات من طينة أخرى. طبقات دونية لا تستحق الحياة. ينظر نظرة فاحصة فى المرآة. أنا ولا شك الأعلى. أنا المتحكم فى جميع الأمور. أنا السيد

-ب-
كيف لى أن أشاهد و أسمع كل هذا و لا أتحرك؟ نحن حيوانات. كيف أرى كل ذلك العذاب و لا أتكلم؟ أين ضاع صوتى؟ يخاف من مجرد الألتقاء بأناس حتى ولو على سبيل الصدفة. فما بالكم بالتحدث معهم. ترسخت لديه أسباب الخوف والعداء من كل ما هو متحرك. لم يصدق أن هذا حدث له بالفعل. ليس حلم و لا أوهام. لم يصدق أنه أهين و ضاعت كرامته على عتبات السادة. سمعه يقول: أنا السيد يا كلب. أنت جيفة و لا تسوى. ونزلت عليه اللكمات و الضربات من كل مكان. أرجل تركل و أيدى تضرب دون هوادة. لم يعد يتبقى فى هذا العالم إلا القسوة. نعم. عالم مليىء بالأقذار. حتى المعاناة خاف من الافصاح عنها. أشباح تحاصره فى كل مكان يذهب اليه. ليست مجرد وساوس. أعرف هذا. نعم. انتهت المحنة و لم تنتهى التبعات. زلزال رج حياته و مازالت التوابع تقضى على ما تبقى منها. إلى متى ستظل الأفواه مكممة؟ إلى متى سيظل الصمت هو سيد الموقف؟ نعم آمنت الآن بأنك السيد

-ج-
يخرج السباب من فيه طوال الوقت. شتيمة هنا و أخرى هناك. ألف الجميع تلك التصرفات الوقحة. أصبح الواقع يزداد سوءا يوما بعد يوم. و لا مانع من ركلات و لكمات. مباراة من طرف واحد. يفتك السيد فيها بالعبد. فيشعر بمنتهى اللذة و النشوة. و يرجع الى البيت منهكا. فلقد بذل بالفعل مجهودا عنيفا. سهرات. ضحكات. سمر. كأن شيئا لم يحدث. و لا مانع أيضا من أداء فريضة العشاء. كيف تنام الضمائر هكذا؟ و التضرع الى الله و طلب التوفيق و العون منه سبحانه !! ليكتمل مسلسل الانفصام الذى يعيش فيه كثير من الأسياد. يأوى الى الفراش. ينام بمنتهى السهولة. دون منغصات. دون حبوب نوم . لا وخز ضمير. لا تفكير. و لا محاسبة نفس. لا أعرف من أين يأتون بهذا النوم السريع. لعلى أجده فى يوم من الأيام. يستيقظ اليوم التالى بكل نشاط وحيوية. نعم. هذا و بحق شيم السادة الأتقياء الأنقياء. ذوى الضمائر الحية !! يمشى مختالا فخورا. فخر للأرض أن يطأها رجل مثله. تغلق له المحال. و يؤخذ الناس من الطرقات. فلا تسمع لهم همسا. لقد جاء السيد يا أولاد الكلاب

-د-
أصبحت الحياة و الممات سواء. طرقت أبواب الأطباء. لأداوى جسدا عليلا و نفس أكثر علة. لا حل سوى الهروب. نعم سأرحل الى الخارج. بيدى لا بيد غيرى. أهاجر الى مكان آخر أبحث فيه عن انسانيتى لعلى أجد روحى التائهة. أمشى فى الطريق منكس الرأس. خفيض العين. لا أبادر بألقاء السلام و لا أرد على تحية. تقوقعت داخل نفسى و بنيت حولى الحوائط و الأسوار الشائكة. فلم أعد سهل الاختراق. فإضطر الجميع الى نبذى. أصبحت وحيدا و أنا المحاط بالأهل و الأصدقاء. أصبحت ذليلا منكسرا و أنا حفيد الأبطال. كفرت بالحياة و أنا الشاب فى مقتبل العمر. فكيف السبيل الى الخلاص؟ و أنا مجرد عبد؟


على الرغم من إنتهاء العبودية والرق فلا زال هناك الكثير من العبيد منكسى الرأس فى بيوتهم و أوطانهم. هناك الكثير ممن يشعر بالذل و الهوان و الانكسار. هناك أجساد تلقت الاهانة فى صمت. وهناك من أعلى الصوت و كشف المستور. أيهم أفضل؟ العبد الذليل أم العبد الثائر؟ كلاهما سيلقى نفس المصير. لكن الثانى يسرع الخطى إلى حتفه. وأسفاه. ووطناه

ليست هناك تعليقات: