الأحد

زنزانة تضيق و تتسع


عندما قرأت هذة الرسالة انتابتى حالة من الحزن الشديد. وزادت لدى أسباب المرارة و التعاسة. وأصبح ضوء الأمل ضعيفا وازدادت قسوة الحياة أكثر. ربما تبكى أنت أيضا، ربما تنفعل و تغضب، وتلعن وتسب. كل هذا لا يهم. فما جدوى الانفعالات؟ و ما جدوى الغضب؟
تعليق شخصى منى
أخون صديقى و أخى أيمن نور وأنا أنشررسالته لى من داخل السجن ، فقد طلب منى ألا أنشرها ، بل أ، أمزقها ، لكننى لم أستطع ، عفوا أيمن اعذرنى أنا اسف جدا لابد من نشر الرسالة ، و لا أعرف ما الذى يمكن أن يحدث لك أكثر مما حدث سوى أن يقتلوك عقابا على هذه الرسالة و نشرها ، و لكن لابد أن يعرف الجميع ماذا يجرى لأيمن نور فى سجنه حتى ندرك جميعا ماذا يحدث بنا خارج سجنه ، هذه هى الرسالة التى أرسلها نور من زنزانته الضيقة لى فى زنزانتى الواسعة و أنا لا أملك لها تتقديما و لا تعليقاو لا شرحا و لا توضيحا و لا أى شئ

أخى الحبيب الغالى : ابراهيم عيسى كم أشتاق إليك ، ممتن لكل ما تكتب و تفعل و تتخذ من مواقف فى زمن اللا مواقف و الا شرف و اللا طعم و لا لون و لا رائحة

لا أعرف كيف أصف لك مشاعر من يفقد حريته ظلما ، و يشم رائحة هذه المعشوقة المفقودة و هى تتسرب إلى زنزانته كل صباح مخلوطة فى حبر و ورق صحيفة حرة و صادقة لا يمكن أن أصف لك يا إبراهيم حجم فرحتى و سعادتى و لهفتى و شوقى لأنتظار الإصدار الأول من الدستور اليومى ثم الثانى و الثالث و الرابع و كل يوم
شعرت يا صديقى بأن الجدارانشق عن نافذة للنور و الحب و الأمل ، و ربما يكون صدور الدستور اليومى هو الخبرالمفرح الوحيد الذى أستطاع أن يكسر الحصار و طرق قلبى و يعاود الطرق كل صباح

تصور يا صديقى إنى أبدأ فى حالة انتظار الدستور عقب صلاة الفجر ، حيث أجلس منتظرا وصولها فى العاشرة صباحا .. و فور رحلة الانتظار الطويل ، و فور وصولها هابطة من القبضان التى لم يهبط منها و من بينها شئ أحب إلى قلبى و نفسى من الدستور اليومى ، حيث أبدأ بمقالك الذى يضحكنى أحيانا إلى حد – أقسم لك يا ابراهيم إنى لم أبلغه منذ دخولى هذا الجب الرهيب –حتى إنى يوم قرأت مقال المستقبل ظللت أضحك حتى أصابت عضلات معدتى و فكى تشنجات أو تقلصات عضلية ظلت تصاحبنى حتى منتصف ذلك اليوم ، و قبله كان مقال المكرونة و قبله و بعده ، بل كل ما تكتب فأجدنى أقرأ و كأنى أسمع و أرى أخى العزيز الحبيب و هو يتحدث و يعبر بكل مهارته فى التعبير .طبعا لاأخفيك أنى أتنقل بين صفحات الدستور إبراهيم منصور ، هانى شمس ، الرائع جلال أمين ، محمد هلال و كم اتمنى يا ابراهيم أن ينضم إليهم أحمد النجار
فالناس بالفعل فى حاجة امزيد من الحقائق فى مواجهة جبال الزيف و الكذب ، فالرد على الأكاذيب الأقتصادية و الأنجازات الوهمية و أكثر ما يحتاجه جمهور الدستور فالناس يعرفون و يشعرو أنهم يكذبون ، كما يتنفسون لكنهم أيضا بحجة لأرقام و حقائق تؤكد لهم صدق ما يشعرون به

لقد نجحت منذ أول ابريل الجارى ان أسرب لمن اعرفهم فى هذا المكان من السجناء الجنائيين او السياسيين ان يستبدلوا إحدى الصحف اليومية الثلاث المسوح بدخولها – بحد أقصى 3 صحف- بالدستور .. و الغالبية استجابت ، و عرفت هذا من كشف الحساب الذىوصلنى ، كى أوقع عليه ، فعرفت من الأسماء السابقة ان معظمهم استبدل صحف ....... بالدستور و قد أسعدنى هذا جدا و بدأت أشعر أن هناك صلة بينى و بين بعض من هم معى فى هذا المكان منذ قرابة العامين ، و لا يمكننى ان أراهم أو يرونى .. فالأخوان هنا فى عنبرين ( 1 ، 2) و الجنائى فى عنبر (4) و انا فى عنبر بلا رقم ، أما عنبر (3) فهو خال لعمل إصلاحات به .. و لا أعرف لمن يعد عنبر (3) !! أتمنى أن يفتتح بالثالوث الرهيب. اخى العزيز رغم الوحدة و الحصار المفروض على – تحديدا – منذ شهر مارس 2006 فأننى بدأت أتعود ، حيث أقضى معظم الوقت فى قراءة كل ما يمكن ان يصلنى مهربا أو رسميا من الكتب، حتى أنى قرأت فى هذا العام يا ابراهيم ربما أكثر مما قرأته فى 41 عاما مضت هى كل عمرى .. و قد تكون الكتب القانونية و الدستورية و الكتب الطبية و دراسات علم النفس تحتل الأولوية عليها الأدب الذى حرمت منذ سنوات من متعة الأهتمام به ، فعوضنى الله بهذه المتعة عن الام عديدة تكالبت على بقسوة و غلظة فى العام الأخير .. الذى شهدت فيه قدرا من الغباء و القسوة و العنف و التنكيل ، لم أكن يوما اتصور أنه ممكن ان يحدث فى هذا الزمان أو أى زمان آخر

تصور با أبراهيم أن كل شئ فجأة أصبح ممنوعا – على فقط – الحركة ممنوعة ، أستلام طعام مدنى ممنوع ، الدواء ، زيارة الأطباء ، الحديث للسجناء ، أو حتى مشاهدتهم لى او مشاهدتى لهم ، الكتابة ، الزيارة للمحامين أو للأسرة فهى تحت الرقابة المكثفة ؟، تصور يحضرها يا إبراهيم ممثلون لجميع الأجهزة الأمنية من أمن الدولة للمباحث الجنائية لمباحث السجون ، لواءات يا صديقى يحضرون و يشهدون و يشاركون زيارة 0 أولادى ) نور و شادى لى ، و بمجرد أن تنفض الزيارة بعد 20 دقيقة يبدأ كل منهم يملى تليفونيا للجهة التى يتبعها تفاصيل اللقاء أو المؤامرة مسخرة يا إبراهيم و الله يا أخى مسخرة

و طبعا .. معى هنا حول فراشى ضابط مبحث و مخبر و عسكرى و سجان – 24 ساعة – يرافقوننى للحمام و منه للسرير و العكس و إحكاما للرقابة .. يرفضون تركيب باب للحمام !! الحقيقة يا إبراهيم بيتعبوا قوى معايا !! و الغريب أن لديهم يا صديقى حالة من الفزع المدهش و الغباء المفرط إلى حد أنهم يوم 4 /3 قرروا نقلى إلى مستشفى سجن ليمان طرة المجاور لنا لعمل أشعات على مفصل ركبيتى الذى تداعت حالته بفعل قلة الحركة ، و تضاعفت الأضرار مؤخرا من خشونة إلى تاكل فى الغضاريف غلى تأكل فى العظام و الرباط الصليبى ، حتى باتت ساقى اليمنى عاجزة تماما .. المهم عندما قرروا نقلى إلى الليمان و العودة خرجت معنا قوات من مكافحة الإرهاب و الشغب و عدد من اللواءات و المصفحات .. يمكن ان تحرر فلسطين !! المضحك انهم فشلوا فى رفعى للسيارة المصفحة فأحضروا سيارتى إسعاف !! و لم أفهم لماذا سيارتان .. و عندما سألتهم كانت المفاجأة و هى للتضليل تفاديا لأى محاولة خطف .. تصور كل هذا الهزل و الخوف و الجنون !! سببه الجنون القبيح يا إبراهيم .. أما اليوم 16 /4 الأخير فأنا معروض على أحدى المحاكم لنظر دعوى من تلك الدعاوى الهزلية ، حيث يدعى مواطن أننى حصلت منه على مبلغ نقدى ألف جنيه كى أسلمها لأحد أقاربه إلا أننى خنت الأمانة – طبعا – لأننى خاين !!
و بددت المبلغ على ملذاتى و شهواتى – طبعا ..لأنى ملذاتى و شهواتى خالص !! حلقة جديدة فى مسلسل الهزل و الجنون و العته .. مرة قضية لأنى ضربت اثنين فى وقت واحد فى محافظتين مختلفتين ، و الوقت تحديدا 12.3 ظهرا – يوم 7 /9 /2005 – و طبعا بالصدفة طلع اسم الضابط الذى حرر المحضرين هو النقيب أيمن أبو طالب،و بالصدفة طلع الكلام ده يوم انتخابات الرئاسة

الغريب هذه المرة أن القضية الملفقة اليوم ،من قاموا بها لم ينتبهوا أنى فى السجن منذ عام و نصف العام ، و السجن لا يسمح فيه بالفلوس !! تفتكر با ابراهيم ان هناك مجموعة من هؤلاء لا تعلم أنى مسجون ؟! يمكن !! عموما أشكرهم لأن خروجى سمح لى أن أكتب لك اليوم و أنا خارج الأسوار هذا الخطاب

أخى الحبيب أبراهيم : رغم المرض و مرارة الظلم و المهانة البشعة و شبح الموت الذى يطوف حولى فى الشهور الأخيرة ، فأنا داخليا لدى يقين من أن عدل الله قادم .. و نصره قريب .. أكثر شئ يحيرنى يا أخى الحبيب و أود أن أطرحه عليك فى هذه الفضفضة التى كنت بحاجة شديدة لها .. هو موقف النيابة العامة و النائب العام
أنا طبعا يا إبراهيم غير مندهش من موقف الداخلية ؟، و من الإصرار على منعى من العلاج ، و أقسم لك يا اخى أنهم يمارسون قتلى بالترك العمد ، و بدم بارد ، و بوجه مكشوف ، و لم يعد لديهم حتى الرغبة التى كانت فى البداية فى إخفاء نواياهم

و رغم هذا أنا أتوقع هذا من الداخلية لكن النيابة و القضاء شئ مريع و صادم و خطير جدا أن تسقط كل الأقنعة إلى هذا الحد ، مهما وصفت لك حجم التأمر و الأستعتار بالقانون و القواعد و عدم الإهتمام بالفضيحة التى يتورطون فيها كل يوم معى . و يكفى ان أقول لك أن النيابة احتجزت كل أوراقى و ملفاتى الطبية منذ شهر أغسطس 2006 ، بدعوى دراسة الإفراج الطبى عنى ، مما وفر سببا قويا للداخلية لمنع تقديم أى بلاغ لى ، أو زيارة أى أطباء بدعوى أن الأوراق فى النيابة
و عندما رفضوا رسميا الإفراج الطبى فى 25 /1 /2007 رفضوا حتى الآن رد أوراقى الطبية ، و بالتالى علاجى ، أو حضور أطباء لى ، أو حتى دخول أطعمة لى منذ 25 /1 و حتى اليوم 14 /6 ، كل يوم أكتب شكوى و يحضر وكيل نيابة و ينتهى الأمر كل يوم إلى لا شئ
منذ عامين ومنذ صدور جريدة أمانة السياسات كل أسبوع أحرر بلاغات سب و قذف ضدها و يتسلمها النائب العام ، حتى بلغ عددها قرابة 124 بلاغا .. و لم يفعل أى شئ لم يطلبهم حتى للتحقق فيه كده يا إبراهيم ؟ أتصور يا إبراهيم – إذا قدر اله لى عمرا – أن أتبنى شيئا مفيدا لإصلاح مصر لابد أن تكون البداية بمواجهةدولة التعليمات و التليفونات وأراجوزات الأبن فى كل المواقع من الصحافة للأحزاب و إذا قدر الله ولم أخرج حيا فدمى فى رقبة هؤلاء – قبل كبيرهم
مهزلة أخرى هىما يفعله فتحى سرور معى – و حتى الآن – الرجل مازال مصرا على ألا يسلمنى ما يفيد بموعد رفع الحصانة عنى ، و بالخطاب الذى تسلمه وزير العدل و النائب العام برفع الحصانة عنى محددا فيه موعد الأستلام حجة الرجل غريبة و عظيمة جدا ، فهو يقول إن أستلامى هذه الأوراق يعنى أنى سأتقدم بطلب لإعادة النظر و أخرج من السجن !! و غريبة ، فهل مهمة فتحىسرور أن أظل فى السجن ؟
تصور يا ابراهيم إنه رفض فى 2 / 10 /2006 ان يسلم جميع ملفى الطبى عن 10 سنوات فى المجلس .. و عندما حررت محضرا فى نيابة قصر النيل ضده سلم الوراق للنيابة – نيبابة وسط - فأرسلتها إلى نيباة جنوب ،ثم ضاع الملف و لم يتسلمه الطب الشرعى و لم أعلم بهذا إلا بعد أن أصدر قراره برفض الإفراج عنى!! ما هذا الذى يحدث ؟
هل إلى هذا الحد هؤلاء الناس بلا قلب أو ضمير أو شرف خصومة ؟ طبعا .. يا إبراهيم قد تتهمنى بالسذاجة ، و ربما العته .. لكن الحقيقة اننى كنت دائما ـصورهم بشر بلا قلب أو ضمير ، لكنى اكتشفت انهم – أصلا – ليسوا بشر
أخى الحبيب : السجن محنة .. لكن الظلم بهذا الفجر كارثة أكبر من طاقة البشر عل الأحتمال ، أحيانا أسأل نفسى يا إبراهيم : ليه بيعملوا مع كل هذا ؟! و بالأصح ما هو مصدر هذه الشجاعة المتناهية فى الأعتداء على – حتى فى سجنى – و محنتى و مرضى و فقرى و وحدتى ؟!
أحيانا أشاطر نفسى و أقول هذا شعور منهم بقوتى و فضل من الله .. و فى معظم الحيان بيتملكنى شعور بأنهم على ثقة أننا لن نلتقى أبدا ، و من هنا يفعلون كل هذه ، بكل هذه الشجاعة و البجاحة ، و فى أحيان أخرى يتملكنى شعور آخر بأنهم لن يسمحوا أبدا بخروجى حيا لأنهم يعلمون جيدا ما فعلوه و يفعلونه لن أروى لك مثلا ما يفعلونه من عون مالى و رعاية و دلع مع المخبرين و المرشدين الذين أستأجروهم لتلفيق هذه القضية ( تزوير التوكيلات ) ، حيث يتم احتجازهم فى غرفة خاصة بمستشفى سجن ليمان طرة المجاور و يعاملن و كأنهم أبطال
لا أملك يا إبرهيم سوى ان اقول : حسبى الله و نعم الوكيل ، اللهم إنى مغلوب فانتصر لى و لكل المظلومين و المقهورين فى هذا الوطن

ابراهيم عيسى

ليست هناك تعليقات: