الخميس

ما كان .. و ما سيكون



-أ-
هى تحبه كثيرا. تعرف ذلك الشعور. ذلك الألم اللذيذ المحبب. و أنى لها بالهروب من ذاك الشعور الدافىء و البارد فى الوقت ذاته. تحبه كما هو. كيف يمكن أن تتركه بعد أن غمرها الأحساس الجارف؟ هو أجمل شىء حدث فى حياتها. لكنها تندم كثيرا على اندفاعها و بوحها بحبها له. مشاعرها وصلت مرحلة الغليان. لم يعد مجديا الكتمان. أتصدقنى حينما أقول لك بأنى لم أفعل هذا من قبل؟ تستغرب نفسها. كيف أعترف بحبى هكذا دون أن أكبح جماح نفسى ككل مرة؟ التقت روحها معه. هل سأغفر لنفسى تلك الذلة؟ أحبى له خطيئة؟ لا أعتقد. أم أنها كرامتى التى أخشى عليها من الاهانة؟ لا أعتقد. أم أنه فراغ.. أو هروب؟ ما أجمل هذا الهروب


-ب-
هو يقول أنه بحبها كثيرا أيضا. نعم هى من أريد. همست روحى لروحها. وسرت الهمسات فى الكون الواسع. شكوت لها سأم روحى و برودة قلبى. فكانت كالبلسم الذى داوى جروحى. و لكن لما تشعر دائما أنى لا أبادلها الشعور؟ ليتنى أعرف ما يدور بداخلها. إنه الخوف الذى يسيطر على كل شىء. فيفتت الفرحة و يبدد الشوق. كان يمكن أن تجد انسانا أفضل منى و لكنها تتشبث بى. أحب ذلك التشبث. هى تقول دائما أنه سيتركها. كيف تفكرين فى هذا؟ أنت من أنقذتى روحى. هل أرحت ضميرى عندما قلت لها بأنك ستكونين زوجتى و أم أولادى؟ هل أراحتها تلك الجملة الموجزة؟ أشعر أن ذلك الإلحاح يخنقنى. لكنه محبب الى نفسى. عندما تغيب عنى فترة. أشعر بحنين جارف و شوق لا حدود له. أتلهف للحديث معها. رغم أنها لا تتحدث مثل السابق. الاوقات السعيدة تمر سريعا. بعدى عنها يقتلنى. هى فى بلد و أنا فى بلد أخر. تفصل بيننا حدود و مسافات شاسعة. يجب أن اعترف بأن حبى لها يشغل حياتى
-ج-
أدمنت الحديث معه. تشعر أحيانا أن ما بداخلها ليس حبا و لا هياما بل مجرد إدمان. تعودت على وجوده. أشتاق اليه كثيرا عندما يغيب عنى. لماذا أشعر بأنه سيتركنى؟ لماذا أنتزع منه الكلمات عندما نتحدث عما سيفعله فى المستقبل أو عن نهاية تلك العلاقة؟ أهو الخوف من فقدانى اذا ما عرفت الحقيقة؟ أشعر بالذل والقهر عندما يكثر الحنين عندى و الحب و لا أجد ذلك عنده. أندم كثيرا على اعترافى بحبى له. هو يعرف أنى لن أجرؤ على تركه. ما هذا الذى أقوله؟ أهو التشاؤم؟ أم أن جسدى وقلبى لم يعدا يحتملان السعادة و الحب؟ أعاتبه كثيرا. أعرف أن كثرة العتاب يبعث على الرتابة و الملل. تسأل نفسها كثيرا: لماذا يحبنى؟ تتذكر اجابته: مثقفة و صادقة. أعرف أنى لست بالجميلة. فما نفع المواهب دون جمال؟ وهل الثقافة ترضى الرجال؟ هل تضمن بألا تقترب أخرى منه؟عرف قبلى كثيرات. كلهن جميلات. عندما رآنى لم يقل أنت جميلة. فقط وجهك طفولى برىء. ما هذا السيل الذى لا ينقطع من الأسئلة؟ فليتوقف اذا قليلا حتى يعرف النوم الى عينى سبيلا


-د-
هل حقا أحبها؟ أم أنه الفراغ؟ لا. لا ليس هذا بفراغ. هى مختلفة عن كل من قابلتهن. عندما أكون معها تتبدد الحيرة. يتغير الكون. و تشرق روحى. و يسمو قلبى. و أطير فى الفضاء الواسع. مشاعرى تفيض معها. وقلبى يقطر عشقا وهوى. ما يمنعنى من الزواج بها اذا؟ الزواج مكلف. أنا غير مستعد لهذا. و مسافات تفصل بيننا. أمقتنع أنت بتلك الحجج؟ لا. لا إنها الحقيقة
-ه-
نفس الكلام. شوق. لهفة. حب ثم اصطدام بالواقع المرير. هى تحبه وتجد فيه السلوى. هو يحبها و يجد فيها الخلاص. هى مستعدة لتحارب من أجله. وهو يصدمها بالواقع. يتصارع العقل و القلب. لمن الغلبة؟ ضاعت البهجة. وتبددت الاشواق. أصبحت الأحاديث مجرد ذكرى جميلة. فى طى النسيان بل تقبع فى متحف النفس و لا تجرؤ على الطفو على السطح. هى تعرف تلك النهاية. هو ينتظرها. سأمت منه. مل منها. كم هى قليلة أوقات البهجة و كم هو مؤلم الواقع الذى نعيشه أو أجبرنا على أن نعيشه. وفرقنا البعد. و باعدت بيننا المسافات . و لكن

تقول: لماذا تذكرنى بغد لا أراه معك؟
أقول: لأنك احدى صفات الأبد

الشعر لمحمود درويش

ليست هناك تعليقات: